الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{مَا كَانَ لِأَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ وَمَنۡ حَوۡلَهُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلَا يَرۡغَبُواْ بِأَنفُسِهِمۡ عَن نَّفۡسِهِۦۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ لَا يُصِيبُهُمۡ ظَمَأٞ وَلَا نَصَبٞ وَلَا مَخۡمَصَةٞ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَطَـُٔونَ مَوۡطِئٗا يَغِيظُ ٱلۡكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنۡ عَدُوّٖ نَّيۡلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِۦ عَمَلٞ صَٰلِحٌۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (120)

{ مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ } ظاهره خبر معناه نهي كقوله تعالى :

{ مَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ اللَّهِ } [ الأحزاب : 53 ] { وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ الأَعْرَابِ } سكان البوادي مزينة وجهينة وأسجح وأسلم وغفار { أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللَّهِ } إذا غزا { وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ } في مصاحبته ومعاونته والجهاد معه .

قال الحسن : يعني لا يرغبون بأنفسهم أن تصيبهم من الشدائد مثل ما يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم { ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ } في سفرهم { ظَمَأٌ } عطش ، وقرأ عبد بن عمير ظمأ بالمدّ وهما لغتان مثل خطا وخطأ { وَلاَ نَصَبٌ } ولا تعب { وَلاَ مَخْمَصَةٌ } مجاعة { فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئاً } أرضاً { يَغِيظُ الْكُفَّارَ } وطيهم إياها { وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً } ولا يصيبون من عدوهم شيئاً قتلا أو أسراً أو غنيمة أو عزيمة يقال : نلت الشيء فهو منيل { إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ } قال ابن عباس : بكل روعة تنالهم في سبيل الله سبعين ألف حسنة { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } فإن أصابهم ظمأ سقاهم الله من نهر الحيوان ولا يصيبهم ظمأ بعد ، وإن أصابهم نصب أعطاهم الله العسل من نهر الحيوان [ ولا يصيبهم ] فيهم النصب ، ومن خرج في سبيل الله لم يضع قدماً ولا يداً ولا جنباً ولا أنفاً ولا ركبة ساجداً ولا راكعاً ولا ماشياً ولا نائماً في بقعة من بقاع الله إلاّ أذن الله له بالشهادة وبالشفاعة .

واختلفوا في حكم هذه الآية ، فقال قتادة : وهذه خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا بنفسه فليس لأحد أن يتخلف عنه خلافه إذا لم يكن للمسلمين اليه ضرورة وحاجة . قال : وذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لولا أن أشق على أمتي ما تخلفت خلف سريّة يغزو في سبيل الله لكني لا أجد سعة فانطلق بهم معي ويشق عليَّ أن أدعهم بعدي " .

وقال الوليد بن مسلم : سمعت الأوزاعي وابن المبارك والفزاري والسبيعي وابن جابر وسعيد بن عبد العزيز يقولون في هذه الآية : انها لأول هذه الأمة وآخرها .

وقال ابن زيد : هذا حين كان أهل الإسلام قليلا فلما كثروا نسخها الله وأباح التخلف لمن شاء فقال : { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً } الآية