قوله تعالى : { مَا كَانَ لأَهْلِ المدينة وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ الأعراب } الآية .
لمَّا أوجب عليهم موافقة الرسول في جميع الغزوات والمشاهد ؛ أكد ذلك بالنَّهي في هذه الآية عن التخلف عنه . قال المفسرون : ظاهره خبر ومعناه نهي ، كقوله تعالى { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله } [ الأحزاب : 53 ] ، { وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ الأعراب } سكان البوادي : مزينة وجُهينة ، وأشجع وأسلم ، وغفار ، قاله ابنُ عباسٍ . وقيل : يتناولُ جميع الأعراب الذين كانوا حول المدينة ، فإنَّ اللفظ عامٌّ ، والتخصيص تحكم ، وعلى القولين فليس لهم أن يتخلَّفُوا عن رسُولِ الله إذا غزا ، { وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ } أي : لا يطلبوا لأنفسهم الحفظ والدَّعة حال ما يكونُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الحرِّ والمشقَّةِ ، والمعنى : ليس لهم أن يكرهُوا لأنفسهم ما يرضاه الرسول - عليه الصلاة والسلام - لنفسه . يقال : رَغِبْتُ بنفسي عن هذا الأمر ، أي : توقفتُ عنه وتركته ، وأرغب بفلان عن هذا الأمر ، أي : أبخل به عليه ولا أتركه .
وظاهر الآية وجوب الجهادِ على الكل ، إلاَّ ما خصَّه الدَّليل من المرضى ، والضعفاء ، والعاجزين . ولمَّا منعهم من التخلف ، بيَّن أنهم لا يصيبهم في ذلك السفر نوع من المشقة إلاَّ وهو يوجب الثَّواب العظيم عند الله تعالى .
وذكر أموراً منها بقوله : " ذلك بِأَنَّهُمْ " مبتدأ وخبر ، والإشارة به إلى ما تضمَّنهُ انتفاء التخلف عن وجوب الخروج معه . " لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ " وهو العطشُ ، يقال : ظَمِىءَ يَظْمَأُ ظَمَأ ، فهو ظمآنُ وهي ظَمْأى ، وفيه لغتان : القصر والمد ، وبالمد قرأ عمرو{[18237]} بنُ عبيدٍ ، نحو : سَفِه سَفَاهاً ، والظَّمءُ : ما بين الشَّربتيْنِ .
ومنها : قوله : " ولاَ نَصَبٌ " أي : إعياء وتعب . { وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ الله } أي : مجاعة شديدة يظهر بها ضمور البطن ، يقال : فلان خميص البطنِ ، ومنها قوله : { وَلاَ يَطَئونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الكفار } . " مَوْطِئاً " مفعل ، مِن : وَطِىءَ ، ويحتملُ أن يكون مصدراً بمعنى : الوطْء وأن يكون مكاناً ، والأوَّلُ أظهر ؛ لأنَّ فاعل " يَغِيظُ " يعودُ عليه من غير تأويل ، بخلاف كونه مكاناً ، فإنَّهُ يعُودُ على المصدر ، وهو الوطْءُ ، الدالُّ عليه مكان المُوطِىءُ . والمعنى : لا يضعُ الإنسان قدمه ، ولا يضع فرسه حافره ، ولا يضع بعيره خفه ، بحيث يصير ذلك سبباً لغيظ الكفار . قوله : " يَغِيظُ الكفار " قال ابنُ الأعرابي : يقال : غَاظَه ، وغيَّظَه ، وأغَاظَه بمعنًى واحدٍ ، أي : أغضبه . وقرأ زيدُ{[18238]} بنُ عليّ " يُغِيظُ " بضمِّ الياءِ .
وقوله : { وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً } النَّيْلُ : مصدرٌ ؛ فيحتمل أن يكون على بابه ، وأن يكون واقعاً موقع المفعول به ، وليس ياؤه مبدلةً من " واو " كما زعم بعضهم ، بل نالهُ يَنولُه مادةٌ أخرى ، وبمعنى آخر ، وهو " المناولة " ، يقال : نِلْتُه أنوله ، أي : تناولتُه ، ونِلْتُه أنَالُهُ ، أي : أدركتُه .
والمعنى : ولا ينالهم من العدو أسراً ، أو قتلاً ، أو هزيمةً قليلاً كان أو كثيراً { إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ } أي كان ذلك قربة عند الله لهم .
قال قتادة : " هذا الحكم من خواص رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا بنفسه فليس لأحد أن يتخلَّف عنه إلاَّ بعذر " {[18239]} وقال ابنُ زيدٍ : هذا حين كان المسلمون قلّة فلمَّا كثروا نسخها الله بقوله : { وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً }{[18240]} . وقال عطيَّة : ما كان لهم أن يتخلفوا عن رسول الله إذا دعاهم ، وهذا هو الصحيحُ ؛ لأنَّ إجابة الرَّسُولِ واجبة ، وكذلك غيره من الأئمة .
قال الوليدُ بنُ مسلم : سمعتُ الأوزاعيَّ ، وابن المباركِ ، وابن جابرٍ ، وسعيد بن عبد العزيز يقولون في هذه الآية : إنَّها لأوّلِ هذه الأمَّةِ وآخرها ، وذلك لأنا لو سوَّغْنَا للمندوب أن يتقاعد لم يختص بذلك بعضٌ دون بعض فيؤدي ذلك إلى تعطيل الجهادِ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.