غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{مَا كَانَ لِأَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ وَمَنۡ حَوۡلَهُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلَا يَرۡغَبُواْ بِأَنفُسِهِمۡ عَن نَّفۡسِهِۦۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ لَا يُصِيبُهُمۡ ظَمَأٞ وَلَا نَصَبٞ وَلَا مَخۡمَصَةٞ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَطَـُٔونَ مَوۡطِئٗا يَغِيظُ ٱلۡكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنۡ عَدُوّٖ نَّيۡلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِۦ عَمَلٞ صَٰلِحٌۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (120)

120

التفسير : لما أمر بموافقة النبي وأصحابه في جميع الغزوات والمشاهد بقوله { وكونوا مع الصادقين } [ الآية : 119 ] أكد ذلك المعنى بالنهي عن التخلف عنه فقال : { ما كان لأهل المدينة } أي لا يستقيم ولا يجوز لهم . والأعراب الذين كانوا حول المدينة قد ذكرنا - عن ابن عباس - أنهم مزينة وجهينة وأشجع وأسلم وغفار ، وكأنه أراد المعروفين منهم وإلا فاللفظ عام . ومعنى { ولا يرغبوا } ولا أن يرغبوا . يقال : غبت بنفسي عن هذا الأمر أي أبخل بها عليه ولا أتركها له ، والمراد أنه لا يصح لهم أن يرغبوا عن صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب صلاح أنفسهم وبقائها بل عليهم أن يصحبوه على البأساء والضراء ويرضوا لأنفسهم ما يرضاه الرسول لنفسه لأن نفسه أعز نفس عند الله ، فإذا تعرضت مع كرامتها للخوض في شدة وجب على سائر الأنفس أن لا يضنوا بها على ما سمح بنفسه عليه . وفي هذا النهي مع التهييج توبيخ عظيم ، ولا يخفى أن الجهاد لا يجب على كل فرد بعينه للإجماع وأن أصحاب الأعذار من الضعفاء والمرضى ونحوهم مخصوصون بالعقل وبالنقل فيبقى ما وراء هاتين الصورتين داخلاً تحت عموم الآية . ثم ذكر ترغيباً يجري مجرى علة المنع من التخلف فقال : { ذلك بأنهم } أي الوجوب الدال عليه بقوله : { ما كان لهم } بسبب أنهم مثابون على أنواع المتاعب وأصناف الشدائد بل على جميع الحركات والسكنات مدة الذهاب والإياب . والظمأ شدة العطش ، والنصب الإعياء والتعب ، والمخمصة المجاعة الشديدة التي تظهر ضمور البطن ، والموطئ إما مصدر كالمورد أو مكان وعلى التقديرين الضمير في { يغيظ } عائد إلى الوطء الصريح أو المقدر . ثم الوطء يجوز أن يكون حقيقة فيراد به الدوس بالأقدام وبحوافر الخيول وبأخفاف الإبل ، ويجوز أن يكون مجازاً فيراد به الإيقاع والإهلاك . قال ابن الأعرابي : غاظه وغيظه وأغاظه بمعنى . ويقال نال منه إذا رزأه ونقصه وهو عام في كل ما يسوءهم ويلحق بهم ضرراً من قتل أو أسر أو غنيمة أو هزيمة ، والمراد أنهم لا يتصرفون في أرض الكفار تصرفاً يغيظهم ويرزؤهم شيئاً إلا كتب لهم به عمل صالح . وفيه دليل على أن من قصد طاعة الله كان قيامه وقعوده ومشيه وحركته وسكونه كلها حسنات مكتوبة عند الله ، وكذا القول في طرف المعصية ولكن بالضد فما أعظم بركة الطاعة وما أشد شؤم المعصية . وبهذه الآية استشهد أصحاب أبي حنيفة أن المدد القادم بعد انقضاء الحرب يشارك الجيش في الغنيمة لأن وطء ديارهم مما يغيظهم وينكي فيهم . وقال الشافعي : لا يشاركون الغانمين في الغنيمة وإن شاركوهم في الثواب لأن الغنيمة من خواص المحاربين ومن قد تعاطى خطراً . قال قتادة : هذا الحكم من خواص رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا بنفسه فليس لأحد أن يتخلف عنه إلا بعذر . وقال ابن زيد : هذا حين كان في المسلمين قلة فلما كثروا نسخه الله بقوله : { وما كان المؤمنون لينفروا كافة } وقال عطية : ما كان لهم التخلف إذا دعاهم الرسول وأمرهم . قال العلماء : وكذلك غيره من الأئمة والولاة إذا عينوا طائفة لأنا لو جوزنا للمندوب أن يتقاعد لم يختص بذلك بعض دون بعض فيؤدي إلى تعطيل الجهاد .

/خ129