التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{مَا كَانَ لِأَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ وَمَنۡ حَوۡلَهُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلَا يَرۡغَبُواْ بِأَنفُسِهِمۡ عَن نَّفۡسِهِۦۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ لَا يُصِيبُهُمۡ ظَمَأٞ وَلَا نَصَبٞ وَلَا مَخۡمَصَةٞ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَطَـُٔونَ مَوۡطِئٗا يَغِيظُ ٱلۡكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنۡ عَدُوّٖ نَّيۡلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِۦ عَمَلٞ صَٰلِحٌۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (120)

{ مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ( 120 ) وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ( 121 ) } ( 120 – 121 ) .

عبارة الآيتين واضحة وما فيهما :

( 1 ) تنبيه إلى أنه ما كان يصح ولا ينبغي لأحد من أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما يخرج إلى الجهاد . ولا أن يفضلوا أنفسهم عن نفسه ويضنوا بها عن التعرض لما يمكن أن يتعرض له من الأخطار والمشاق .

( 2 ) وتنبيه آخر فيه بشرى بما للذين يشتركون في حملات الجهاد في سبيل الله من عظيم الأجر والمنزلة مهما كان نصيبهم فيها : فإنهم لا يصيبهم في هذا السبيل ظمأ ولا نصب ولا جوع ولا يقفون موقفا يغيظ الكفار ولو لم يقع الحرب بينهم . ولا ينالون من أعدائهم نيلا ما ولا ينالهم من عدوهم نيل ما . ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة . ولا يقطعون واديا أو يسيرون مسيرة إلا كتب الله لهم به عملا صالحا وجازاهم عليه بما هو أحسن منه . ولا يضيع عند الله أجر المحسنين قط .

تعليق على الآية :

{ مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . }

والآية التالية لها وما فيها من تلقين

لم نطلع على رواية خاصة في سبب نزول الآيتين كذلك . والمتبادر أنهما معقبتان أيضا على الآيات السابقة وعلى سبيل الحث والتنبيه والتحذير بمناسبة ما ورد في الآيات السابقة من خبر تخلف المتخلفين واعتذار المعتذرين من أهل المدينة والأعراب . وهما والحالة هذه متصلتان بالسياق . والراجح أنهما نزلتا بعد الآيات السابقة لهما فوضعتا مكانهما للتناسب الزمني والموضوعي .

وقد قلنا في شرح الفقرة الأولى من الآية الأولى : ما كان ينبغي لأحد من أهل المدينة ومن حولها من الأعراب أنها في معنى : أنه ما كان يصح ولا ينبغي لأحد ما أن يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين يدعو إلى الجهاد أو أن يفضل لنفسه العافية دونه ؛ لأن روح الفقرة قصدت ذلك كما يتبادر منها ، ولأن الوقائع اليقينية ذكرت أن الجمهور الأعظم من أهل المدينة وكثيرا من أعرابها لم يتخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

واختصاص أهل المدينة ومن حولها من الأعراب بالذكر قد يكون هدف إلى التنبيه على أن واجب هؤلاء في عدم التخلف هو ألزم وأشد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين ظهرانيهم ، ولأنه إذا كان للبعيدين ما يمكن أن يكون عذر ما يسبب بعدهم وغيابهم وظروفهم فهذا ليس واردا بالنسبة للقريبين إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم المتصلين به مباشرة . ولا سيما أن الدعوة تصل إليهم بيسر . ويفرض أن يكونوا ملمين بالظروف والبواعث . والنبي صلى الله عليه وآله وسلم عمود الدعوة والقريبون إليه هم أولى الناس بالالتفاف حوله . وهذا الاختصاص بهذا البيان لا يعني كما هو المتبادر تخفيف واجب المسلمين البعيدين .

ومع خصوصية الآيتين الزمنية فإنها فيما عدا ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، محكمة الأمر عامة التوجيه مستمرة التلقين فيما هو المتبادر . فجمهور المسلمين مدعو إلى التضامن مع أولياء أمره ودعاته المخلصين في الجهاد في سبيل الله في كل مناسبة ملزمة . وواجب القريبين لمجالات الجهاد وظروفه وأسبابه واجب ألزم لا يصح فيه تكاسل ولا تثاقل . وكل ما يقوم به المسلمون في سبيل هذا الواجب مهما كان شأنه بدنيا أو ماليا أو استعدادا أو مرابطة هو داخل في مشمول هذا الواجب ومستحق لأجر الله الموعود .