ثم قذفته في اليم ، أي : شط نيل مصر ، فأمر الله اليم ، أن يلقيه في الساحل ، وقيض أن يأخذه ، أعدى الأعداء لله ولموسى ، ويتربى في أولاده ، ويكون قرة عين لمن رآه ، ولهذا قال : { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي } فكل من رآه أحبه { وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } ولتتربى على نظري وفي حفظي وكلاءتي ، وأي نظر وكفالة أجلّ وأكمل ، من ولاية البر الرحيم ، القادر على إيصال مصالح عبده ، ودفع المضار عنه ؟ ! فلا ينتقل من حالة إلى حالة ، إلا والله تعالى هو الذي دبّر ذلك لمصلحة موسى ، ومن حسن تدبيره ، أن موسى لما وقع في يد عدوه ، قلقت أمه قلقا شديدا ، وأصبح فؤادها فارغا ، وكادت تخبر به ، لولا أن الله ثبتها وربط على قلبها ، ففي هذه الحالة ، حرم الله على موسى المراضع ، فلا يقبل ثدي امرأة قط ، ليكون مآله إلى أمه فترضعه ، ويكون عندها ، مطمئنة ساكنة ، قريرة العين ، فجعلوا يعرضون عليه المراضع ، فلا يقبل ثديا .
و { أن } في قوله { أن اقذفيه } بدل من { ما } والضمير الأول في { اقذفيه } عائد على موسى وفي الثاني على { التابوت }{[8104]} ، ويجوز أن يعود على { موسى } . وقوله { فليلقه اليم } خبر خرج في صيغة الأمر إذ الأمر أقطع الأفعال وأوجبها ، ومنه قول النبي عليه السلام «قوموا فلأصل لكم »{[8105]} فأخبر الخبر في صيغة الأمر لنفسه مبالغة وهذا كثير ، ومن حيث خرج الفعل مخرج الأمر حسن جوابه كذلك ، و «العدو » الذي هو لله ولموسى كان فرعون ولكن أم موسى أخبرت به على الإبهام وذلك قالت لأخته قصيه وهي لا تدري أين . ثم أخبر تعالى موسى أنه «ألقى عليه محبة » منه فقال بعض الناس أراد محبة آسية لأنها كانت من الله وكانت سبب حياته . وقالت فرقة : أراد القبول الذي يضعه الله في الأرض لخيار عباده ، وكان حظ موسى منه في غاية الوفر . وقالت فرقة : أعطاء جمالاً يحبه به كل من رآه ، وقالت فرقة : أعطاء ملاحة العينين ، وهذان قولان فيهما ضعف وأقوى الأقوال أنه القبول . وقرأ الجمهور و «لِتُصنع » بكسر اللام وضم التاء على معنى ولتغذى وتطعم وتربى ، وقرأ أبو نهيك «ولَتصنع » بفتح التاء ، قال ثعلب معناه لتكون حركتك وتصرفك على عين مني ، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع «ولْتصنع » بسكون اللام على الأمر للغالب وذلك متجه . وقوله { على عيني } معناه بمرأى مني وأمر مدرك مبصر مراعى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.