فتوسل إلى الله بالإخبار عن حال نفسه ، وأنه بلغ الضر منه كل مبلغ ، وبرحمة ربه الواسعة العامة فاستجاب الله له ، وقال له : { ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } فركض برجله فخرجت من ركضته عين ماء باردة فاغتسل منها وشرب ، فأذهب الله عنه ما به من الأذى ، { وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ } أي : رددنا عليه أهله وماله .
{ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ } بأن منحه الله العافية من الأهل والمال شيئا كثيرا ، { رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا } به ، حيث صبر ورضي ، فأثابه الله ثوابا عاجلا قبل ثواب الآخرة .
{ وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ } أي : جعلناه عبرة للعابدين ، الذين ينتفعون بالعبر ، فإذا رأوا ما أصابه من البلاء ، ثم ما أثابه الله بعد زواله ، ونظروا السبب ، وجدوه الصبر ، ولهذا أثنى الله عليه به في قوله : { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } فجعلوه أسوة وقدوة عندما يصيبهم الضر .
ثم عرفه تعالى بأنه قد أذن في صلاح حاله وعاد عليه بفضله ، فدعا أيوب عن ذلك فاستجيب له ، ويروى أن أيوب لم يزل صابراً لا يدعو في كشف ما به ، وكان فيما روي تقع منه الدود فيردها بيده ، حتى مر به قوم كانوا يعادونه فشمتوا به ، فتألم لذلك ودعا حينئذ فاستجيب له ، وكانت امرأته غائبة عنه في بعض شأنها فأنبع الله تعالى له عيناً وأمر بالشرب منها فبرئ باطنه ، وأمر بالاغتسال فبرئ ظاهره ، ورد إلى أفضل جماله ، وأتي بأحسن الثياب ، وهب عليه رجل{[8255]} من جراد من ذهب فجعل يحثي منها في ثوبه فناداه الله تعالى يا أيوب ألم أغنيتك عن هذا ، قال بلى يا رب ولكن لا غنى بي عن بركتك ، فبينما هو كذلك إذ جاءت امرأته فلم تره على السباطة فجزعت وظنت أنه أزيل عنها ، وجعلت تتوله{[8256]} فقال لها ما شأنك أيتها المرأة فهابته لحسن هيئته ، وقالت إني فقدت مريضاً كان لي في هذا الموضع ومعالم المكان قد تغيرت ، وتأملته في أثناء المقاولة ، فرأت أيوب ، فقالت له أنت أيوب ، فقال لها نعم واعتنقها وبكى فروي أنه لم يفارقها حتى أراه الله تعالى جميع ماله حاضراً بين يديه ، واختلف الناس في أهله وولده بأعيانهم وجعل مثلهم له عدة في الآخرة ، وقيل بل أتى جميع ذلك في الدنيا من أهل ومال وقوله تعالى : { وذكرى للعابدين } أي وتذكرة وموعظة للمؤمنين ، ولا يعبد الله تعالى إلا مؤمن والذكرى إنما هي في محنته والرحمة في زوال ذلك ، وقوله { أني مسني الضر } تقديره «بأني مسني » فحذف الجار وبقيت { أني } في موضع نصب ، وروي أن سبب محنة أيوب أنه دخل مع قوم على ملك جار عليهم فأغلظ له القوم ، ولين له أيوب القول خوفاً منه على ماله ، فعاقبه الله تعالى على ذلك ، وروي أنه كان يقال له ما لك لا تدعو في العافية فكان يقول إني لأستحيي من الله تعالى أن أسأله زوال عذابه حتى يمر علي فيه ما مر من الرخاء ، وأصابه البلاء فيما روي وهو ابن ثمانين سنة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.