ويدل على المعنى الأخير ، ما ذكره بعده في قوله : { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } أي : في يوم القيامة كل أحد يجازى بعمله ، ولا يحمل أحد ذنب أحد . { وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ } أي : نفس مثقلة بالخطايا والذنوب ، تستغيث بمن يحمل عنها بعض أوزارها { لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } فإنه لا يحمل عن قريب ، فليست حال الآخرة بمنزلة حال الدنيا ، يساعد الحميم حميمه ، والصديق صديقه ، بل يوم القيامة ، يتمنى العبد أن يكون له حق على أحد ، ولو على والديه وأقاربه .
{ إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ } أي : هؤلاء الذين يقبلون النذارة وينتفعون بها ، أهل الخشية للّه بالغيب ، أي : الذين يخشونه في حال السر والعلانية ، والمشهد والمغيب ، وأهل إقامة الصلاة ، بحدودها وشروطها وأركانها وواجباتها وخشوعها ، لأن الخشية للّه تستدعي من العبد العمل بما يخشى من تضييعه العقاب ، والهرب مما يخشى من ارتكابه العذاب ، والصلاة تدعو إلى الخير ، وتنهى عن الفحشاء والمنكر .
{ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ } أي : ومن زكى نفسه بالتنقِّي من العيوب ، كالرياء والكبر ، والكذب والغش ، والمكر والخداع والنفاق ، ونحو ذلك من الأخلاق الرذيلة ، وتحلَّى بالأخلاق الجميلة ، من الصدق ، والإخلاص ، والتواضع ، ولين الجانب ، والنصح للعباد ، وسلامة الصدر من الحقد والحسد وغيرهما من مساوئ الأخلاق ، فإن تزكيته يعود نفعها إليه ، ويصل مقصودها إليه ، ليس يضيع من عمله شيء .
{ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ } فيجازي الخلائق على ما أسلفوه ، ويحاسبهم على ما قدموه وعملوه ، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها .
و { تزر } معناه تحمل ، والوزر الثقل ، وهذه الآية في الذنوب والآثام والجرائم ، قاله قتادة وابن عباس ومجاهد ، وسببها أن الوليد بن المغيرة قال لقوم من المؤمنين اكفروا بمحمد وعلي وزركم ، فحكم الله تعالى بأنه لا يحملها أحد عن أحد ، ومن تطرق من الحكام إلى أخذ قريب بقريبه في جريمة كفعل زيادة ونحوه فإنما ذلك لأن المأخوذ ربما أعان المجرم بمؤازرة ومواصلة أو اطلاع على حاله وتقرير لها ، فهو قد أخذ من الجرم بنصيب{[9707]} ، وهذا هو المعنى في قوله تعالى { وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم }{[9708]} [ العنكبوت : 13 ] لأنهم أغووهم ، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة بعده ، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها بعده »{[9709]} وأنثت { وازرة } لأنه ذهب بها مذهب النفس وعلى ذلك أجريت { مثقلة } ، و «الحمل » ما كان على الظهر في الأجرام ، ويستعار للمعاني كالذنوب ونحوها ، فيجعل كل محمول متصلاً بالظهر ، كما يجعل كل اكتساب منسوباً إلى اليد{[9710]} ، واسم { كان } مضمر تقديره ولو كان الداعي ، ثم أخبر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أنه إنما ينذر أهل الخشية وهم الذي يمنحون العلم ، أي إنما ينتفع بالإنذار هم وإلا فلنذارة جميع العالم بعثه ، وقوله { بالغيب } أي وهو بحال غيبة عنهم إنما هي رسالة ، ثم خصص من الأعمال إقامة الصلاة تنبيهاً عليها وتشريفاً لها ، ثم حض على التزكي بأن رجى عليه غاية الترجية ، وقرأ طلحة «ومن أزكى فإنما يزكي » ، ثم توعد بعد ذلك بقوله { وإلى الله المصير } .
قال القاضي أبو محمد : وكل عبارة مقصرة عن تبيين فصاحة هذه الآية ، وكذلك كتاب الله كله ، ولكن يظهر الأمر لنا نحن في مواضع أكثر منه في مواضع بحسب تقصيرنا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.