تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَٱرۡتَقِبۡ يَوۡمَ تَأۡتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ} (10)

{ فَارْتَقِبْ } أي : انتظر فيهم العذاب فإنه قد قرب وآن أوانه ، { يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَٱرۡتَقِبۡ يَوۡمَ تَأۡتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ} (10)

واختلف الناس في الدخان الذي أمر الله تعالى بارتقابه ، فقالت فرقة منها علي بن أبي طالب وزيد بن علي وابن عمر وابن عباس والحسن بن أبي الحسن وأبو سعيد الخدري : هو دخان يجيء قبل يوم القيامة يصيب المؤمن منه مثل الزكام ، وينضج رؤوس الكافرين والمنافقين حتى تكون كأنها مصلية حنيذة{[10223]} . وقالت فرقة منها عبد الله بن مسعود وأبو العالية وإبراهيم النخعي : هو الدخان الذي رأته قريش حين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بسبع كسبع يوسف ، فكان الرجل يرى من الجدب والجوع دخاناً بينه وبين السماء ، وما يأتي من الآيات يقوي هذا التأويل . وقال ابن مسعود : خمس قد مضين ، الدخان واللزام والبطشة والقمر والروم وذكر الطبري حديثاً عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن أول آيات الساعة الدخان ، ونزول عيسى ابن مريم ، ونار تخرج من قعر عدن »{[10224]} وضعف الطبري سند هذا الحديث ، واختار قول ابن مسعود رضي الله عنه في الدخان قال : ويحتمل إن صح حديث حذيفة أن يكون قد مر دخان ويأتي دخان .


[10223]:المصلية: المشوية في النار، والحنيذ: المشوي الذي يسيل منه الدهن، وفي التنزيل العزيز:{فما لبث أن جاء بعجل حنيذ}.
[10224]:الحديث في تفسير الطبري، وقد رواه عصام بن رواد، عن أبيه، عن سفيان الثوري، ولفظه أطول مما ذكر ابن عطية هنا، وقد ذكر الطبري أنه لم يشهد للحديث بالصحة لأن روادا قال: إنه لم يسمعه من سفيان، ولم يقرأه عليه، ولم يقرأه أحد من الناس على سفيان بمسمع من رواد، وإنما حدثه به قوم وعرضوه عليه، ثم ذهبوا فحدثوا به عنده، ولهذا اختار الطبري قول ابن مسعود في الدخان، لكن القرطبي ذكر أن في صحيح مسلم عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري، قال: اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر فقال:(ما تذكرون)؟ قالوا: نذكر الساعة، قال:(إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات-فذكر- الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم وخروج يأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف، خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم)، ونلحظ أن حذيفة الذي ذكر الطبري هو حذيفة بن اليمان، وهو غير حذيفة بن أسيد المذكور هنا، وكذلك ذكر القرطبي رواية عن حذيفة-ولم يحدد من هو- وقال: إن الثعلبي خرج هذا الحديث أيضا عن حذيفة، ثم ذكر نص الحديث الذي ذكره ابن جرير الطبري وضعفه، ومن هذا نفهم أنه حذيفة بن اليمان. ومع ذلك فإن القرطبي يقوي رأي ابن مسعود لأنه قال: إن الله تعالى قد كشف الدخان عنهم، ولو كان يوم القيامة لم يكشفه عنهم، وحديث ابن مسعود رضي الله عنه في صحيح البخاري، ومسلم، والترمذي، وهو ع مسروق، قال: قال عبد الله: إنما كان هذا لأن قريشا لما استعصت على النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، فأنزل الله تعالى:{فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين، يغشى الناس هذا عذاب أليم}، قال: فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: يا رسول الله، استسق لمضر فإنها قد هلكت، قال:(لمُضر! إنك لجريء)، فاستسقى فسقوا، فنزلت{إنكم عائدون}، فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرفاهية، فأنزل الله عز وجل:{يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون}، قال: يعني يوم بدر، وقد قال الشوكاني في "فتح القدير": ولا منافاة بين كون الآية نازلة في الدخان الذي كان يتراءى لقريش من الجوع، وبين كون الدخان من آيات الساعة وعلامتها، فقد وردت أحاديث صحاح وحسان وضعاف في ذلك، وليس فيها أنه سبب نزول الآية.(راجع القرطبي، والطبري، والبخاري ومسلم، وفتح القدير).