تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَإِنۡ خِفۡتُمۡ فَرِجَالًا أَوۡ رُكۡبَانٗاۖ فَإِذَآ أَمِنتُمۡ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ} (239)

{ فَإِنْ خِفْتُمْ }{[148]}  لم يذكر ما يخاف منه ليشمل الخوف من كافر وظالم وسبع ، وغير ذلك من أنواع المخاوف ، أي : إن خفتم بصلاتكم على تلك الصفة فصلوها { رِجَالًا } أي : ماشين على أقدامكم ، { أَوْ رُكْبَانًا } على الخيل والإبل وغيرها ، ويلزم على ذلك أن يكونوا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ، وفي هذا زيادة التأكيد على المحافظة على وقتها حيث أمر بذلك ولو مع الإخلال بكثير من الأركان والشروط ، وأنه لا يجوز تأخيرها عن وقتها ولو في هذه الحالة الشديدة ، فصلاتها على تلك الصورة أحسن وأفضل بل أوجب من صلاتها مطمئنا خارج الوقت { فَإِذَا أَمِنْتُمْ } أي : زال الخوف عنكم { فَاذْكُرُوا اللَّهَ } وهذا يشمل جميع أنواع الذكر ومنه الصلاة على كمالها وتمامها { كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون } فإنها نعمة عظيمة ومنة جسيمة ، تقتضي مقابلتها بالذكر والشكر ليبقي نعمته عليكم ويزيدكم عليها .


[148]:- من هنا بدأ الاختلاف بين النسختين، وقد أشرت إليه في المقدمة بشيء من التفصيل وقد أثبت التفسير المأخوذ من النسخة ب في ملحق في آخر التفسير.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَإِنۡ خِفۡتُمۡ فَرِجَالًا أَوۡ رُكۡبَانٗاۖ فَإِذَآ أَمِنتُمۡ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ} (239)

{ فإن خفتم } من عدو أو غيره . { فرجالا أو ركبانا } فصلوا راجلين أو راكبين ورجالا جمع راجل أو رجل بمعناه كقائم وقيام ، وفيه دليل على وجوب الصلاة حال المسايفة وإليه ذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه ، وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يصلى حال المشي والمسايفة مالم يمكن الوقوف . { فإذا أمنتم } وزال خوفكم . { فاذكروا الله } صلوا صلاة الأمن أو اشكروه على الأمن { كما علمكم } ذكرا مثل ما علمكم من الشرائع وكيفية الصلاة حالتي الخوف والأمن . أو شكرا يوازيه وما مصدرية أو موصولة . { ما لم تكونوا تعلمون } مفعول علمكم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَإِنۡ خِفۡتُمۡ فَرِجَالًا أَوۡ رُكۡبَانٗاۖ فَإِذَآ أَمِنتُمۡ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ} (239)

تفريع على قوله : { وقوموا لله قانتين } [ البقرة : 238 ] للتنبيه على أن حالة الخوف لا تكون عذراً في ترك المحافظة على الصلوات ، ولكنها عذر في ترك القيام لله قانتين ، فأفاد هذا التفريع غرضين : أحدهما بصريح لفظه ، والآخر بلازم معناه .

والخوف هنا خوف العدو ، وبذلك سميت صلاة الخوف ، والعرب تسمي الحرب بأسماء الخوف فيقولون الرَّوْع ويقولون الفَزَع ، قال عمرو بن كلثوم :

* وتحملنا غداة الروع جرد * البيت .

وقال سبرة بن عمر الفقعسي

ونسوتكم في الروع باد وجوهها *** يُخَلْنَ إماءً والإماء حرائر

وفي الحديث : « إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع » ولا يعرف إطلاق الخوف على الحرب قبل القرآن قال تعالى : { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع } [ البقرة : 155 ] . والمعنى : فإن حاربتم أو كنتم في حرب ، ومنه سمى الفقهاء صلاة الخوف الصلاة التي يؤديها المسلمون وهم يصافون العدو في ساحة الحرب وإيثار كلمة الخوف في هذه الآية لتشمل خوف العدو وخوف السباع وقطاع الطريق ، وغيرها .

و { رجالاً } جمع راجل كالصحاب و { ركباناً } جمع راكب وهما حالان من محذوف أي فصلوا رجالاً أو ركباناً وهذا في معنى الاستثناء من قوله : { وقوموا لله قانتين } [ البقرة : 238 ] لأن هاته الحالة تخالف القنوت في حالة الترجل ، وتخالفهما معاً في حالة الركوب . والآية إشارة إلى أن صلاة الخوف لا يشترط فيها الخشوع ، لأنها تكون مع الاشتغال بالقتال ولا يشترط فيها القيام .

وهذا الخوف يسقط ما ذكر من شروط الصلاة ، وهو هنا صلاة الناس فرادى ، وذلك عند مالك إذا اشتد الخوف وأظلهم العدو ولم يكن حصن بحيث تتعذر الصلاة جماعة مع الإمام ، وليست هذه الآية لبيان صلاة الجيش في الحرب جماعة المذكورة في سورة النساء ، والظاهر أن الله شرع للناس في أول الأمر صلاة الخوف فرادى على الحال التي يتمكنون معها من مواجهة العدو ، ثم شرع لهم صلاة الخوف جماعة في سورة النساء ، وأيضاً شملت هذه الآية كل خوف من سباع أو قطاع طريق أو من سيل الماء ، قال مالك : وتستحب إعادة الصلاة ، وقال أبو حنيفة : يصلون كما وصف الله ويعيدون ، لأن القتال في الصلاة مفسد عنده .

وقوله : { فإذا أمنتم فاذكروا الله } أراد الصلاة أي ارجعوا إلى الذكر المعروف . وجاء في الأمن بإذا وفي الخوف بإن بشارة للمسلمين بأنهم سيكون لهم النصر والأمن .

وقوله : { كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون } الكاف للتشبيه أي اذكروه ذكراً يشابه ما من به عليكم من علم الشريعة في تفاصيل هذه الآيات المتقدمة ، والمقصود من المشابهة المشابهة في التقدير الاعتباري ، أي أن يكون الذكر بنية الشكر على تلك النعمة والجزاء ، فإن الشيء المجازى به شيء آخر يعتبر كالمشابه له ، ولذلك يطلق عليه اسم المقدار ، وقد يسمون هذه الكاف كاف التعليل ، والتعليل مستفاد من التشبيه ، لأن العلة على قدر المعلول .