تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيٓ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ} (50)

{ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } أي : ربنا الذي خلق جميع المخلوقات ، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به ، الدال على حسن صنعه من خلقه ، من كبر الجسم وصغره وتوسطه ، وجميع صفاته ، { ثُمَّ هَدَى } كل مخلوق إلى ما خلقه له ، وهذه الهداية العامة{[516]} المشاهدة في جميع المخلوقات فكل مخلوق ، تجده يسعى لما خلق له من المنافع ، وفي دفع المضار عنه ، حتى إن الله تعالى أعطى الحيوان البهيم من العقل ، ما يتمكن{[517]} به على ذلك .

وهذا كقوله تعالى : { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } فالذي خلق المخلوقات ، وأعطاها خلقها الحسن ، الذي لا تقترح العقول فوق حسنه ، وهداها لمصالحها ، هو الرب على الحقيقة ، فإنكاره إنكار لأعظم الأشياء وجودا ، وهو مكابرة ومجاهرة بالكذب ، فلو قدر أن الإنسان ، أنكر من الأمور المعلومة ما أنكر ، كان إنكاره لرب العالمين أكبر من ذلك .


[516]:- في ب: الكاملة.
[517]:- كذا في ب، وفي أ: ما تتمكن.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيٓ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ} (50)

{ قال ربنا الذي أعطى كل شيء } من الأنواع { خلقه } صورته وشكله الذي يطابق كماله الممكن له ، أو أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به ، فقدم المفعول الثاني لأنه المقصود بيانه . وقيل أعطى كل حيوان نظيره في الخلق والصورة زوجا . وقرئ { خلقه } صفة للمضاف إليه أو المضاف على شذوذ فيكون المفعول الثاني محذوفا أي أعطى كل مخلوق ما يصلحه . { ثم هدى } ثم عرفه كيف يرتفق بما أعطي وكيف يتوصل به إلى بقائه وكماله اختيارا أو طبعا ، وهو جواب في غاية البلاغة لاختصاره وإعرابه عن الموجودات بأسرها على مراتبها ، ودلالته على أن الغني القادر بالذات المنعم على الإطلاق هو الله تعالى وأن جميع ما عداه مفتقر إليه منعم عليه في حد ذاته وصفاته وأفعاله ، ولذلك بهت الذي كفر وأفحم عن الدخل عليه فلم ير إلا صرف الكلام عنه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيٓ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ} (50)

تولى موسى الجواب لأنّه خصّ بالسؤال بسبب النّداء له دون غيره .

وأجاب موسى بإثبات الربوبية لله لجميع الموجودات جرياً على قاعدة الاستدلال بالكلية على الجزئية بحيث ينتظم من مجموعهما قياس ، فإن فرعون من جملة الأشياء ، فهو داخل في عموم { كل شيء } .

و { كُلَّ شَيْءٍ } مفعول أول ل { أعطى } . و { خَلْقَهُ } مفعوله الثاني .

والخلق : مصدر بمعنى الإيجاد . وجيء بفعل الإعطاء للتنبيه على أنّ الخلق والتكوين نعمة ، فهو استدلال على الربوبية وتذكير بالنعمة معاً .

ويجوز أن يكون الخلق بالمعنى الأخصّ ، وهو الخَلق على شكل مخصوص ، فهو بمعنى الجَعْل ، أي الذي أعطى كل شيء من الموجودات شكله المختصّ به ، فكُونت بذلك الأجناسُ والأنواع والأصناف والأشخاص من آثار ذلك الخلق .

ويجوز أن يكون { كُلَّ شَيْءٍ } مفعولاً ثانياً ل { أعطى } ومفعوله الأول { خَلْقَهُ } ، أي أعطى خلقه ما يحتاجونه ، كقوله : { فأخرجنا به نبات كل شيء } [ الأنعام : 99 ] . فتركيب الجملة صالح للمعنيين .

والاستغراق المستفاد من ( كلّ ) عُرفي ، أي كل شيء من شأنه أن يعطاه أصنافُ الخلق ويناسب المعطي ، أو هو استغراق على قصد التوزيع بمقابلة الأشياء بالخلق ، مثل : ركب القوم دوابّهم .

والمعنى : تأمل وانظر هل أنتَ أعطيت الخَلق أوْ لاَ ؟ فلا شك أنه يعلم أنّه ما أعطى كلّ شيء خلقه ، فإذا تأمل علم أن الرب هو الذي أفاض الوجود والنّعم على الموجودات كلّها ، فآمن به بعنوان هذه الصفة وتلك المعرفة الموصّلة إلى الاعتقاد الحق .

و ( ثُم ) للترتيب بمعنييْه الزمني والرتبي ، أي خلق الأشياء ثمّ هدى إلى ما خلقهم لأجله ، وهداهم إلى الحق بعد أن خلقهم ، وأفاض عليهم النّعم ، على حد قوله تعالى : { ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين وهديناه النجدين } [ البلد : 8 10 ] أي طريقي الخير والشرّ ، أي فرّقنا بينهما بالدلائل الواضحة .

قال الزمخشري في « الكشاف » : « ولله درّ هذا الجواب ما أخصره وما أجمعه وما أبينه لمن ألقى الذهن ونظر بعين الإنصاف وكان طالباً للحق » .