{ قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم } ذات برد وسلام أي ابردي بردا غير ضار ، وفيه مبالغات جعل النار المسخرة لقدرته مأمورة مطيعة وإقامة { كوني } ذات برد مقام أبردي ، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه . وقيل نصب { سلاما } بفعله أي وسلمنا سلاما روى أنهم بنوا حظيرة بكوثي وجمعوا فيها نارا عظيمة ثم وضعوه في المنجنيق مغلولا فرموا به فيها فقال له جبريل : هل لك حاجة ، فقال : أما إليك فلا فقال : فسل ربك فقال : حسبي من سؤالي علمه بحالي ، فجعل الله تعالى - ببركة قوله- الحظيرة روضة ولم يحترق منه إلا وثاقه ، فاطلع عليه نمروذ من الصرح فقال إني مقرب إلى إلهك فذبح أربعة آلاف بقرة وكف عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام . وكان إذ ذاك ابن ست عشرة سنة وانقلاب النار هواء طيبا ليس ببدع غير أنه هكذا على خلاف المعتاد فهو إذن من المعتاد فهو إذن من معجزاته وقيل كانت النار بحالها لكنه سبحانه وتعالى دفع عنه أذاها كما ترى في السمندل ويشعر به قوله على إبراهيم .
وقد قيل لها { كوني برداً وسلاماً } فاحترق الحبل الذي ربط به فقط .
وروي أن جبريل عليه السلام جاءه وهو في الهواء فقال له ألك حاجة فيروى أنه قال أما إليك فعلا .
ويروى أنه قال إني خليل وإنما أطلب حاجتي من خليلي لا من رسوله فقال الله تعالى : يا إبراهيم قطعت الواسطة بيني وبينك لأقطعنها بيني وبين النار ، يا نار .
وروي أنه حين خوطبت النار خمدت كل نار في الأرض .
وروي أن الغراب كان ينقل الحطب إلى نار إبراهيم .
وروي أن الوزغة{[3]} كانت تنفخ عليه لتضرم وكذلك البغل .
وروي أن العضرفوط والخطافة{[4]} والضفدع كانوا ينقلون الماء لتطفأ النار فأبقى الله على هذه الوقاية وسلط الله على تلك الأخرى النوائب والأيدي وقال بعض العلماء إن الله تعالى لو لم يقل { وسلاماً } لهلك إبراهيم من برد النار .
قال القاضي أبو محمد : وقد أكثر الناس في قصص حرق إبراهيم وذكروا تحديد مدة بقائه في النار وصورة بقائه ما رأيت اختصاره لقلة صحته ، والصحيح من ذلك أنه ألقي في النار فجعلها الله تعالى عليه { برداً وسلاماً } فخرج منها سالماً وكانت أعظم آية .
وروي انهم قالوا إنها نار مسحورة لا تحرق فرموا فيها شيخاً منهم فاحترق .
وروي أن العيدان أينعت وأثمرت له هنالك ثمارها التي كانت أُصولها ، وقوله { وسلاماً } معناه وسلامة ، وقال بعضهم هي تحية من الله تعالى لإبراهيم ( ع ) : وهذا ضعيف وكان الوجه أن يكون مرفوعاً .
جملة { قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم } مفصولة عن التي قبلها إما لأنها وقعت كالجواب عن قولهم { حرقوه } فأشبهت جمل المحاورة ، وإما لأنها استئناف عن سؤال ينشأ عن قصة التآمر على الإحراق . وبذلك يتعين تقدير جملة أخرى ، أي فألقَوْه في النار قلنا : { يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم } . وقد أظهر الله ذلك معجزة لإبراهيم إذ وَجّه إلى النار تعلّقَ الإرادة بسلب قوة الإحراق ، وأن تكون برداً وسلاماً إن كان الكلام على الحقيقة ، أو أزال عن مزاج إبراهيم التأثر بحرارة النار إن كان الكلام على التشبيه البليغ ، أي كوني كبرد في عدم تحريق الملقَى فيككِ بحَرّك .
وأما كونها سلاماً فهو حقيقة لا محالة ، وذِكر { سلاماً } بعد ذكر البرد كالاحتراس لأن البرد مؤذ بدوامه ربما إذا اشتد ، فعُقب ذكره بذكر السلام لذلك . وعن ابن عباس : لو لم يقل ذلك لأهلكته ببَردها . وإنما ذكر { برداً } ثمّ أتبع ب { سلاماً } ولم يقتصر على { برداً } لإظهار عجيب صنع القدرة إذ صيّر النار برداً .
و { على إبراهيم } يتنازعه { برداً وسلاماً } . وهو أشد مبالغة في حصول نفعهما له ، ويجوز أن يتعلق بفعل الكون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.