ثم قال : وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ أي : أي شيء يمنعهم من عذاب اللّه ، وقد فعلوا ما يوجب ذلك ، وهو صد الناس عن المسجد الحرام ، خصوصا صدهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، الذين هم أولى به منهم ، ولهذا قال : وَمَا كَانُوا أي : المشركون أَوْلِيَاءَهُ يحتمل أن الضمير يعود إلى اللّه ، أي : أولياء اللّه . ويحتمل أن يعود إلى المسجد الحرام ، أي : وما كانوا أولى به من غيرهم . إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ وهم الذين آمنوا باللّه ورسوله ، وأفردوا اللّه بالتوحيد والعبادة ، وأخلصوا له الدين . وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ فلذلك ادَّعَوْا لأنفسهم أمرا غيرهم أولى به .
{ وما لهم ألا يعذبهم الله } وما لهم مما يمنع تعذيبهم متى زال ذلك وكيف لا يعذبون . { وهم يصدّون عن المسجد الحرام } وحالهم ذلك ومن صدهم عنه إلجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إلى الهجرة وإحصارهم عام الحديبية . { وما كانوا أولياءه } مستحقين ولاية أمره مع شركهم ، وهو رد لما كانوا يقولون نحن ولاة البيت والحرم فنصد من نشاء وندخل من نشاء . { إن أولياؤه إلا المتقون } من الشرك الذين لا يعبدون فيه غيره ، وقيل الضمير ان لله . { ولكن أكثرهم لا يعلمون } أن لا ولاية لهم عليه كأنه نبه بالأكثر أن منهم من يعلم ويعاند ، أو أراد به الكل كما يراد بالقلة العدم .
وقوله عز وجل : { وما لهم ألا يعذبهم الله } توعد بعذاب الدنيا ، فتقديره وما يعلمهم أو يدريهم ونحو هذا من الأفعال التي توجب أن تكون «أن » في موضع نصب{[5317]} ، وقال الطبري : تقديره وما يمنعهم من أن يعذبوا ، والظاهر في قوله { وما } أنها استفهام على جهة التقرير والتوبيخ والسؤال ، وهذا أفصح في القول وأقطع لهم في الحجة ، ويصح أن تكون { ما } نافية ويكون القول إخباراً ، أي وليس لهم ألا يعذبوا وهم يصدون ، وقوله { وهم يصدون } على التأويلين جملة في موضع الحال ، و { يصدون } في هذا الموضع معناه يمنعون غيرهم ، فهو متعدٍّ كما قال الشاعر : [ الوافر ]
صددتِ الكأسَ عنا أمَّ عمرو . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ***{[5318]}
وقد تجيء صد عير متعدٍّ كما أنشد أبو علي : [ البسيط ]
صَّدت ُخَلْيَدُة عنّا ما تكلّمُنا . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[5319]}
والضمير في قوله { أولياؤه } عائد على الله عز وجل من قوله { يعذبهم الله } ، أو على المسجد الحرام ، كل ذلك جيد ، روي الأخير عن الحسن ، والضمير الآخر تابع للأول وقوله { ولكن أكثرهم لا يعلمون } معناه لا يعلمون أنهم ليسوا بأوليائه بل يظنون أنهم أولياؤه ، وقوله { أكثرهم } ونحن نجد كلهم بهذه الصفة ، لفظ خارج إما على أن تقول إنه لفظ خصوص أريد به العموم وهذا كثير في كلام العرب ، ومنه حكى سيبويه من قولهم : قل من يقول ذلك ، وهم يريدون لا يقوله أحد .
وإما أن يقول : إنه أراد بقوله { أكثرهم } أن يعلم ويشعر أن بينهم وفي خلالهم قوماً قد جنحوا إلى الإيمان ووقع لهم علم وإن كان ظاهرهم الكفر فاستثارهم من الجميع بقوله { أكثرهم } وكذلك كانت حال مكة وأهلها ، فقد كان فيهم العباس وأم الفضل{[5320]} وغيرهما ، وحكى الطبري عن عكرمة قال الحسن بن أبي الحسن : إن قوله { وما لهم ألا يعذبهم الله } ، ناسخ لقوله { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.