تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞۖ وَلَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن يَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِيهِ مَيۡتٗا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٞ رَّحِيمٞ} (12)

{ 12 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ }

نهى الله تعالى عن كثير من الظن السوء{[804]}  بالمؤمنين ، ف { إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } وذلك ، كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة ، وكظن السوء ، الذي يقترن به كثير من الأقوال ، والأفعال المحرمة ، فإن بقاء ظن السوء بالقلب ، لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك ، بل لا يزال به ، حتى يقول ما لا ينبغي ، ويفعل ما لا ينبغي ، وفي ذلك أيضًا ، إساءة الظن بالمسلم ، وبغضه ، وعداوته المأمور بخلاف ذلك منه .

{ وَلَا تَجَسَّسُوا } أي : لا تفتشوا عن عورات المسلمين ، ولا تتبعوها ، واتركوا{[805]}  المسلم على حاله ، واستعملوا التغافل عن أحواله{[806]}  التي إذا فتشت ، ظهر منها ما لا ينبغي .

{ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا } والغيبة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : { ذكرك أخاك بما يكره ولو كان فيه }

ثم ذكر مثلاً منفرًا عن الغيبة ، فقال : { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ } شبه أكل لحمه ميتًا ، المكروه للنفوس [ غاية الكراهة ] ، باغتيابه ، فكما أنكم تكرهون أكل لحمه ، وخصوصًا إذا كان ميتًا ، فاقد الروح ، فكذلك ، [ فلتكرهوا ] غيبته ، وأكل لحمه حيًا .

{ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ } والتواب ، الذي يأذن بتوبة عبده ، فيوفقه لها ، ثم يتوب عليه ، بقبول توبته ، رحيم بعباده ، حيث دعاهم إلى ما ينفعهم ، وقبل منهم التوبة ، وفي هذه الآية ، دليل على التحذير الشديد من الغيبة ، وأن الغيبة من الكبائر ، لأن الله شبهها بأكل لحم الميت ، وذلك من الكبائر .


[804]:- في ب: السيء.
[805]:- في ب: ودعوا.
[806]:- في ب: عن زلاته.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞۖ وَلَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن يَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِيهِ مَيۡتٗا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٞ رَّحِيمٞ} (12)

{ يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن } كونوا منه على جانب ، وإبهام الكثير ليحتاط في كل ظن ويتأمل حتى يعلم أنه من أي القبيل ، فإن من الظن ما يجب اتباعه كالظن حيث لا قاطع فيه من العمليات وحسن الظن بالله سبحانه وتعالى ، وما يحرم كالظن في الإلهيات والنبوات وحيث يحالفه قاطع وظن السوء بالمؤمنين ، وما يباح كالظن في الأمور المعاشية . { إن بعض الظن إثم } مستأنف للأمر ، والإثم الذنب الذي يستحق العقوبة عليه . والهمزة فيه بدل من الواو كأنه يثم الأعمال أي بكسرها . { ولا تجسسوا } ولا تبحثوا عن عورات المسلمين ، تفعل من الجس باعتبار ما فيه من معنى الطلب كالتلمس ، وقرئ بالحاء من الحس الذي هو أثر الجس وغايته ولذلك قيل للحواس الخمس الجواس . وفي الحديث " لا تتبعوا عورات المسلمين ، فإن من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته حتى يفضحه ولو في جوف بيته " . { ولا يغتب بعضكم بعضا } ولا يذكر بعضكم بعضا بالسوء في غيبته . وسئل عليه الصلاة والسلام عن الغيبة فقال : " أن تذكر أخاك بما يكرهه ، فإن كان فيه فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه فقد بهته " . { أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا } تمثيل لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على أفحش وجه مع مبالغات الاستفهام المقرر ، وإسناد الفعل إلى أحد للتعميم وتعليق المحبة بما هو في غاية الكراهة ، وتمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان وجعل المأكول أخا وميتا وتعقيب ذلك بقوله : { فكرهتموه } تقريرا وتحقيقا لذلك . والمعنى إن صح ذلك أو عرض عليكم هذا فقد كرهتموه ولا يمكنكم إنكار كراهته ، وانتصاب { ميتا } على الحال من اللحم أو الأخ وشدده نافع . { واتقوا الله إن الله تواب رحيم } لمن اتقى ما نهى عنه وتاب مما فرط منه ، والمبالغة في ال { تواب } لأنه بليغ في قبول التوبة إذ يجعل صاحبها كمن لم يذنب ، أو لكثرة المتوب عليهم أو لكثرة ذنوبهم .