تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞لَّئِن لَّمۡ يَنتَهِ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡمُرۡجِفُونَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لَنُغۡرِيَنَّكَ بِهِمۡ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلَّا قَلِيلٗا} (60)

وأما من جهة أهل الشر فقد توعدهم بقوله : { لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } أي : مرض شك أو شهوة { وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ } أي : المخوفون المرهبون الأعداء ، المحدثون{[724]}  بكثرتهم وقوتهم ، وضعف المسلمين .

ولم يذكر المعمول الذي ينتهون عنه ، ليعم ذلك ، كل ما توحي به أنفسهم إليهم ، وتوسوس به ، وتدعو إليه من الشر ، من التعريض بسب الإسلام وأهله ، والإرجاف بالمسلمين ، وتوهين قواهم ، والتعرض للمؤمنات بالسوء والفاحشة ، وغير ذلك من المعاصي الصادرة ، من أمثال هؤلاء .

{ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ } أي : نأمرك بعقوبتهم وقتالهم ، ونسلطك عليهم ، ثم إذا فعلنا ذلك ، لا طاقة لهم بك ، وليس لهم قوة ولا امتناع ، ولهذا قال : { ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا } أي : لا يجاورونك في المدينة إلا قليلاً ، بأن تقتلهم أو تنفيهم .

وهذا فيه دليل ، لنفي أهل الشر ، الذين يتضرر بإقامتهم بين أظهر المسلمين ، فإن ذلك أحسم للشر ، وأبعد منه ، ويكونون { مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا }


[724]:- في ب: المتحدثون.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{۞لَّئِن لَّمۡ يَنتَهِ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡمُرۡجِفُونَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لَنُغۡرِيَنَّكَ بِهِمۡ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلَّا قَلِيلٗا} (60)

ولما كان المؤذون{[56081]} بما مضى وغيره أهل النفاق ومن داناهم ، حذرهم بقوله مؤكداً دفعاً لظنهم دوام الحلم عنهم : { لئن لم ينته } أي عن الأذى { المنافقون } أي {[56082]}الذين يبطنون{[56083]} الكفر ويظهرون الإسلام { والذين في قلوبهم مرض } أي{[56084]} مقرب من النفاق حامل على المعاصي { والمرجفون في المدينة } وهم الذين يشيعون الأخبار المخيفة لأهل الإسلام التي تضطرب لها{[56085]} القلوب سواء كانوا من القسمين الأولين أم{[56086]} لا { لنغرينك بهم } بأن نحملك على أن تولع بهم{[56087]} بأن نأمرك بإهانتهم ونزيل الموانع من ذلك ، ونثبت الأسباب الموصلة إليه حتى تصير لاصقاً بجميع أموالهم لصوق الشيء الذي يلحم بالغراء فلا يقدروا على الانفكاك عن شيء مما تفعله بهم إلا بالبعد من المدينة بالموت أو الرحيل إلى غيرها ، وهذا معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما كما رواه عنه البخاري{[56088]} : لنسلطنك .

ولما كان نزوحهم عن المدينة مستبعداً عنهم جداً ، وكان أعظم رتبة في أذاهم من غيره ، لأن الإخراج من الأوطان من أعظم الهوان ، أشار إليه بأداة التراخي فقال : { ثم لا يجاورونك فيها } أي بعد محاولتك لهم { إلا قليلاً * } أي من الزمان بقدر ما يمكن لك المضارب فتعظم عليهم المصائب .


[56081]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: المأذون.
[56082]:من م ومد، وفي الأصل وظ: الذي يظنون.
[56083]:من م ومد، وفي الأصل وظ: الذي يظنون.
[56084]:زيد في الأصل: على، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[56085]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: إليها.
[56086]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أو.
[56087]:زيد من ظ وم ومد.
[56088]:راجع الصحيح 2/707.