{ 1 - 19 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى * سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى * وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى * فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى *بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى }
يأمر تعالى بتسبيحه المتضمن لذكره وعبادته ، والخضوع لجلاله ، والاستكانة لعظمته ، وأن يكون تسبيحا ، يليق بعظمة الله تعالى ، بأن تذكر أسماؤه الحسنى العالية على كل اسم بمعناها الحسن العظيم{[1406]} الجليل .
{ سبح اسم ربك الأعلى } التسبيح في اللغة التنزيه وذكر الاسم هنا يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون المراد المسمى ويكون الاسم صلة كالزائد ، ومعنى الكلام سبح ربك أي : نزهه عما لا يليق به ، وقد يتخرج ذلك على قول من قال : إن الاسم هو المسمى .
والآخر : أن يكون الاسم مقصودا بالذكر ويحتمل المعنى على هذا أربعة أوجه :
الأول : تنزيه أسماء الله تعالى عن المعاني الباطلة كالتشبيه والتعطيل .
الثاني : تنزيه أسماء الله عن أن يسمى بها صنم أو وثن .
الثالث : تنزيه أسماء الله عن أن تدرك في حال الغفلة دون خشوع .
الرابع : أن المراد قول سبحان الله ولما كان التسبيح باللسان لا بد فيه من ذكر الاسم فلذلك أوقع التسبيح على : الاسم وهذا القول هو الصحيح ويؤيده ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قرأ هذه الآية قال : " سبحان ربي الأعلى " . وأنها لما نزلت قال : " اجعلوها في سجودكم " فدل ذلك على أن المراد هو التسبيح باللسان مع موافقة القلب ولا بد في التسبيح باللسان من ذكر اسم الله تعالى فلذلك قال : { سبح اسم ربك الأعلى } مع أن التسبيح في الحقيقة إنما هو لله تعالى لا لاسمه وإنما ذكر الاسم لأنه هو الذي يوصل به إلى التسبيح باللسان وعلى هذا يكون موافقا في المعنى لقوله : { فسبح باسم ربك } لأن معناه نزه الله بذكر اسمه ويؤيد هذا ما روي عن ابن عباس أن معنى سبح " صل باسم ربك " أي : صل واذكر في الصلاة اسم ربك ، والأعلى يحتمل أن يكون صفة للرب أو للاسم والأول أظهر .
سورة سبح{[1]} وتسمى الأعلى
قال الملوي : وكان النبي صلى الله عليه وسلم [ يحبها-{[2]} ] لكثرة ما اشتملت عليه من العلوم والخيرات- مقصودها إيجاب{[3]} التنزيه للأعلى{[4]} سبحانه وتعالى عن أن يلحق ساحة{[5]} عظمته شيء من {[6]}شوائب النقص{[7]} كاستعجال في أمر من إهلاك الكافرين أو غيره أو العجز عن البعث أو إهمال الخلق سدى يبغي بعضهم على بعض بغير حساب ، أو أن يتكلم بما [ لا-{[8]} ] يطابق الواقع أو بما يقدر أحد أن يتكلم بمثله كما أذنت بذلك{[9]} الطارق مجملا وشرحته هذه مفصلا ، وعلى ذلك دل كل من اسميها سبح والأعلى { بسم الله } الذي له العلى كله فلا نقص يلحقه { الرحمن } الذي عم جوده ، فكل{[10]} موجود هو الذي أوجده وكل حيوان هو الذي يربيه ويرزقه { الرحيم* } الذي [ من-{[11]} ] كان من حزبه فإنه يلزمه الطاعة وييسرها له{[12]} ويوفقه{[13]} .
لما تضمن أمره سبحانه في آخر الطارق بالإمهال{[72793]} النهي عن الاستعجال الذي هو منزه عنه لكونه نقصاً-{[72794]} ، وأشار نفي الهزل عن القرآن-{[72795]} إلى أنهم{[72796]} وصموه بذلك وهو في غاية البعد عنه-{[72797]} إلى غير ذلك مما أشير إليه فيها ونزه نفسه الأقدس سبحانه عنه-{[72798]} ، أمر أكمل خلقة رسوله المنزل عليه هذا القرآن صلى الله عليه وسلم بتنزيه اسمه لأنه وحده العالم بذلك حق علمه ، وإذا نزه{[72799]} اسمه عن أن يدعو به وثنا أو غيره أو يضعه في غير ما يليق به ، كان لذاته سبحانه أشد تنزيهاً ، فقال{[72800]} مرغباً في الذكر لا سيما بالتنزيه الذي هو نفي المستحيلات لأن التخلي قبل التحلي ، شارحاً لأصول الدين مقدماً للإلهيات التي هي النهايات{[72801]} من الذات ثم الصفات لا سيما القيومية ثم الأفعال على النبوات ، ثم أتبع ذلك النبوة ليعرف العبد ربه على ما هو عليه من الجلال والجمال ، فيزول عنه داء الجهل الموقع في التقليد ، وداء الكبر الموقع في إنكار الحقوق ، فيعترف{[72802]} بالعبودية والربوبية ، مثنياً عليه سبحانه بالجلال ثم الجمال فيعبده على ما يليق به من امتثال أمره واجتناب نهيه تعظيماً لقدره : { سبح } أي نزه وبرىء تنزيهاً وتبرئة {[72803]}عظيمتين جداً قويتين شديدتين{[72804]} { اسم ربك } أي المحسن إليك بعد إيجادك على صفة الكمال بتربيتك على أحسن الخلال{[72805]} حتى كنت في غاية {[72806]}الجلال والجمال{[72807]} .
ولما كان الإنسان محتاجاً في أن تكون حياته طيبة ليتمكن مما يريد إلى ثلاثة أشياء : كبير ينتمي إليه ليكون له به رفعة ينفعه بها عند مهماته ، ويدفع عنه عند ضروراته ، ومقتدى يربط{[72808]} به{[72809]} نفسه عند ملماته ، وطريقة مثلى ترتكبها{[72810]} كما أشار إليه قوله صلى الله عليه وسلم " رضيت بالله رباً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً وبالإسلام ديناً " أرشده صلى الله عليه وسلم إلى أن الانقطاع إليه{[72811]} أعلى الجاه ، فقال واصفاً لمن أمره بتسبيحه بإثبات ما له من الواجبات بعد نفي المستحيلات كما أشار إليه{[72812]} " سبحانك وبحمدك " : { الأعلى * } أي-{[72813]} الذي له وصف الأعلوية في المكانة{[72814]} لا المكان على الإطلاق عن كل شائبة نقص{[72815]} وكل سوء من الإلحاد في شيء من أسمائه بالتأويلات الزائغة وإطلاقه على غيره مع زعم أنهما فيه سواء ، وذكره{[72816]} خالياً عن التعظيم وغير ذلك ليكون راسخاً {[72817]}في التنزيه{[72818]} فيكون من أهل العرفان الذين يضيئون على الناس مع كونهم في الرسوخ كالأوتاد الشامخة التي هي مع علوها لا تتزحزح ، وقد ذكر سبحانه هذا المعنى معبراً {[72819]}عنه بجميع{[72820]} جهاته الأربع-{[72821]} في ابتداء سور أربع استيعاباً لهذه الكلمة الحسنى الشريفة من جميع جهاتها . فابتدأ{[72822]} سورة الإسراء التي هي سورة الإحسان ب " سبحان " المصدر الصالح لجميع معانيه إعلاماً بأن هذا المعنى ثابت له مطلقاً غير مقيد بشيء من زمان أو غيره ، ثم ثنى بالماضي في أول الحديد والحشر والصف تصريحاً بوقوع ما أفهمه المصدر في الماضي الذي يشمل أزل الآزال{[72823]} إلى وقت الإنزال ، ثم ثلث في أول الجمعة والتغابن بالمضارع لأن يفهم مع ما أفهم المصدر والماضي دوام التجدد ، فلما تم ذلك من جميع {[72824]}وجوهه توجه{[72825]} الأمر فخصت به سورته ، وقد مضى في أول الحديد والجمعة ما يتمم هذا .