تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ} (12)

{ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى } أي : نبعثهم بعد موتهم لنجازيهم على الأعمال ، { وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا } من الخير والشر ، وهو أعمالهم التي عملوها وباشروها في حال حياتهم ، { وَآثَارَهُمْ } وهي آثار الخير وآثار الشر ، التي كانوا هم السبب في إيجادها في حال حياتهم وبعد وفاتهم ، وتلك الأعمال التي نشأت من أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم ، فكل خير عمل به أحد من الناس ، بسبب علم العبد وتعليمه ونصحه ، أو أمره بالمعروف ، أو نهيه عن المنكر ، أو علم أودعه عند المتعلمين ، أو في كتب ينتفع بها في حياته وبعد موته ، أو عمل خيرا ، من صلاة أو زكاة أو صدقة أو إحسان ، فاقتدى به غيره ، أو عمل مسجدا ، أو محلا من المحال التي يرتفق بها الناس ، وما أشبه ذلك ، فإنها من آثاره التي تكتب له ، وكذلك عمل الشر .

ولهذا : { من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة } وهذا الموضع ، يبين لك علو مرتبة الدعوة إلى اللّه والهداية إلى سبيله بكل وسيلة وطريق موصل إلى ذلك ، ونزول درجة الداعي إلى الشر الإمام فيه ، وأنه أسفل الخليقة ، وأشدهم جرما ، وأعظمهم إثما .

{ وَكُلَّ شَيْءٍ } من الأعمال والنيات وغيرها { أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ } أي : كتاب هو أم الكتب وإليه مرجع الكتب ، التي تكون بأيدي الملائكة ، وهو اللوح المحفوظ .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ} (12)

{ إنا نحن نحيي الموتى } أي : نبعثهم يوم القيامة ، وقيل : إحياؤهم إخراجهم من الشرك إلى الإيمان ، والأول أظهر .

{ ونكتب ما قدموا وآثارهم } أي : ما قدموا من أعمالهم وما تركوه بعدهم كعلم علموه أو تحبيس حبسوه ، وقيل : الأثر هنا : الخطا إلى المساجد ، وجاء ذلك في الحديث .

{ إمام مبين } أي : في كتاب وهو اللوح المحفوظ أو صحائف الأعمال .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ} (12)

ولما بين الأصل الثاني هو الرسالة وأتبعها ثمرتها المختومة بالبشارة ، وكان الأصل الثالث في الإيمان - وهو البعث - سبباً عظيماً في الترقية إلى اعتقاد الوحدانية التي هي الأصل الأول ، وكان أكثر الخائفين منه سبحانه مقتراً عليهم في دنياهم منغضة عليهم حياتهم ، علل هذه البشارة إعلاماً بأن هذا الأجر في هذه الدار بالملابس الباطنة الفاخرة من المعارف والسكينة والبركات والطمأنينة ، وبعد البعث بالملابس الطاهرة الزاهرة المسببة عن الملابس الدنيوية الباطنة الخفية من غير أهلها ، بشارة لهم ونذارة للقسم الذي قبلهم بقوله ، مقدماً للبعث لما ذكر من فائدته ، لافتاً القول إلى مظهر العظمة إيذاناً بعظمة هذه المقاصد وبأنه لا يحمي لهؤلاء الخلص مع قلتهم ومباينتهم للأولين مع كثرتهم إلا من له العظمة الباهرة : { إنا نحن } أي بما لنا من العظمة التي لا تضاهى { نحيي } أي بحسب التدريج الآن وجملة في الساعة { الموتى } أي كلهم حساً بالبعث ومعنى بالإنقاذ إذا أردنا من ظلم الجهل { ونكتب } أي من صالح وغيره شيئاً فشيئاً بعده فلا يتعدى التفصيل شيئاً في ذلك الإجمال { ما قدموا } من جميع أفعالهم وأحوالهم وأقوالهم جملة عند نفخ الروح { وآثارهم } أي سننهم التي تبقى من بعدهم صالحة كانت أو غير صالحة ، ونجازي كلاً بما يستحق في الدار الآخرة التي الجزاء فيها لا ينقطع ، فلا أكرم منه إذا كان كريماً .

ولما كان ذلك ربما أوهم الاقتصار على كتابة ما ذكر من أحوال الآدميين أو الحاجة إلى الكتابة ، دل على قدرته على ما لا تمكن القدرة عليه لأحد غيره في أقل قليل مما ذكر ، فكيف بما فوقه ، فقال ناصباً عطفاً لفعليه على فعليه وهي " تكتب " : { وكل شيء } أي من أمر الأحياء وغيرهم { أحصيناه } أي قبل إيجاده بعلمنا القديم إحصاء وكتبناه { في إمام } أي كتاب هو أهل لأن يقصد { مبين * } أي لا يخفى فيه شيء من جميع الأحوال على أحد أراد علمه منه ، فلله هذه القدرة الباهرة والعظمة الظاهرة والعزة القاهرة ، فالآية من الاحتباك : دل فعل الإحصاء على مصدره وذكر الإمام على فعل الكتابة .