التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ} (12)

قوله : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ } ذلك واحد من المعاني العظيمة المكررة في الكتاب الحكيم التي يؤكد الله فيها على إحياء الموتى ، وبعثهم من قبورهم ليلاقوا الحساب يوم القيامة .

أما قوله : { وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا } أي أن الله يحصي عليهم أعمالهم من خير أو شر فيكتبها جميعا .

أما قوله : { وَآَثَارَهُمْ } أي آثار خطاهم بأرجلهم ؛ فقد روي عن أبي سعد الخدري قال : كان بنو سلمة في ناحية من المدينة فأرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ } فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : " إن آثاركم تكتب فلم تنتقلون ؟ " {[3887]}

وقيل : تكتب لهم أعمالهم بأنفسهم ، وما ترتب عليها من آثار بقيت من بعدهم ؛ فإن الله مجازيهم عنها إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ . وذلك كقوله صلى الله عليه وسلم : " من أجورهم شيء ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن يُنقَصَ من أوزارهم شيء " .

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات ابن آدم اقطع عمله من ثلاث : من علم يُنتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ، أو صدقة جارية من بعده " .

قوله : { وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ } { وَكُلَّ } ، منصوب بفعل مضمر دلَّ عليه الفعل بعده { أحْصَيْنَاهُ } والتقدير : وأحصينا كل شيء أحصيناه . والإمام المبين ههنا يراد به أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ وفيه علم الله وعلمه محيط بكل شيء . فما من كائن ولا حدث إلا علمه مسطور في هذا الكتاب . وقيل : المراد بالإمام هنا صحائف الأعمال . وذلك هو كتاب أعمالهم يشهد عليهم بما عملوه من خير أو شر{[3888]} .


[3887]:أسباب النزول للنيسابوري ص 245
[3888]:تفسير القرطبي ج 15 ص 10-13 وتفسير الرازي ج 26 ص 46 والكشاف ج 3 ص 316 وتفسير الطبري ج 22 ص 99-100