جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ} (12)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىَ وَنَكْتُبُ مَاَ قَدّمُواْ وَآثَارَهُمْ وَكُلّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِيَ إِمَامٍ مّبِينٍ } .

يقول تعالى ذكره : إنّا نَحْنُ نُحْيي المَوْتى من خلقنا وَنَكْتُبُ ما قَدّمُوا في الدنيا من خير وشرّ ، وصالح الأعمال وسيئها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّا نَحْنُ نُحْيِي المَوْتَى وَنَكْتُبُ ما قَدّمُوا من عمل .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَنَكْتُبُ ما قَدّمُوا قال : ما عملوا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ما قَدّمُوا قال : أعمالهم .

وقوله : وآثارَهُمْ يعني : وآثار خُطاهم بأرجلهم ، وذكر أن هذه الاَية نزلت في قوم أرادوا أن يقربوا من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليقرب عليهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا نصر بن عليّ الجهضميّ ، قال : حدثنا أبو أحمد الزّبيري ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كانت منازل الأنصار متباعدة من المسجد ، فأرادوا أن ينتقلوا إلى المسجد فنزلت وَنَكْتُبُ ما قَدّمُوا وآثارَهُمْ فقالوا : نثبت في مكاننا .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كانت الأنصار بعيدة منازلهم من المسجد ، فأرادوا أن ينتقلوا ، قال : فنزلت وَنَكْتُبُ ما قَدّمُوا وآثارَهُمْ فثبتوا .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الصمد ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثنا الجريريّ ، عن أبي نضرة ، عن جابر ، قال : أراد بنو سَلِمة قرب المسجد ، قال : فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا بَنِي سَلِمَةَ دِيارَكُمْ ، إنّها تُكْتَبُ آثارُكُمْ » .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا معتمر ، قال : سمعت كهمسا يحدّث ، عن أبي نضرة ، عن جابر ، قال : أراد بنو سَلِمة أن يتحوّلوا إلى قُرب المسجد ، قال : والبقاع خالية ، فبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : «يا بَنِي سَلِمَةَ دِيارَكُمْ إنّها تُكْتَبُ آثارُكُمْ » قال : فأقاموا وقالوا : ما يسرّنا أنا كنا تحوّلنا .

حدثنا سليمان بن عمر بن خالد الرقي ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن طريف ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخُدريّ ، قال : شكت بنو سلِمة بُعد منازلهم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فنزلت : إنّا نَحْنُ نُحْيِي المَوْتَى وَنَكْتُبُ ما قَدّمُوا وآثارَهُمْ فقال : «عَلَيْكُمْ مَنازلَكُمْ تُكْتَبُ آثارُكم » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا أبو تُمَيلة ، قال : حدثنا الحسين ، عن ثابت ، قال : مشيت مع أنس ، فأسرعت المشي ، فأخذ بيدي ، فمشينا رُويدا ، فلما قضينا الصلاة قال أنس : مشيت مع زيد بن ثابت ، فأسرعت المشي ، فقال : يا أنس أما شعرت أن الاَثار تكتب ؟

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن يونس ، عن الحسن أن بني سَلِمة كانت دورهم قاصية عن المسجد ، فهموا أن يتحوّلوا قرب المسجد ، فيشهدون الصلاة مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم : «ألا تَحْتَسِبُونَ آثارَكُمْ يا بَني سَلِمَةَ ؟ » فمكثوا في ديارهم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم ابن أبي بَزّة ، عن مجاهد ، في قوله ما قَدّمُوا وآثارَهُمْ قال : خُطَاهم بأرجلهم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وآثارَهُمْ قال : خطاهم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وآثارَهُمْ قال : قال الحسن : وآثارهم قال : خُطَاهم . وقال قتادة : لو كان مُغْفِلاً شيئا من شأنك يا ابن آدم أغفل ما تعفّي الرياح من هذه الاَثار .

وقوله : وكُلّ شَيْء أحْصَيْناهُ في إمام مُبِينٍ يقول تعالى ذكره : وكل شيء كان أو هو كائن أحصيناه ، فأثبتناه في أمّ الكتاب ، وهو الإمام المبين . وقيل : مُبين ، لأنه يبين عن حقيقة جميع ما أثبت فيه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد في إمامٍ مُبِينٍ قال : في أمّ الكتاب .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وكُلّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إمامٍ مُبِينٍ كلّ شيء محصيّ عند الله في كتاب .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وكُلّ شَيْء أحْصَيْناهُ فِي إمام مُبِينٍ قال : أمّ الكتاب التي عند الله فيها الأشياء كلها هي الإمام المبين .