غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ} (12)

1

وحين فرغ من بيان الرسالة شرع في أصل الحشر قائلاً { إنا نحن نحيي الموتى } على أن البشارة بالمغفرة والأجر لا يتم إلا بعد ثبوت الإعادة وهكذا خشية الرحمن بالغيب تناسب ذكر إحياء الأموات . والظاهر أن قوله { نحن } ضمير الفصل ويجوز أن يكون مبتدأ والفعل خبره والجملة خبر " إن " ويجوز أن يكون { نحن } خبر " إن " كقول القائل عند الافتخار بالشهرة : أنا أنا . كأن الله تعالى قال إنما نحن معروفون بأوصاف الكمال وإذا عرّفنا أنفسنا فلا تنكر قدرتنا على إحياء الموتى . وفي هذا التركيب أيضاً إشارة إلى التوحيد أي ليس غيرنا أحد يشاركنا حتى نقول إنا كذا فنمتاز . ثم أشار إلى العلم التام الذي يتوقف عليه المجازاة فقال { ونكتب ما قدّموا } أي أسلفوا من الأعمال صالحة كانت أو فاسدة . وقيل : أراد ما قدّموا وأخروا فاكتفى بأحدهما كقوله { سرابيل تقيكم الحر } [ النحل : 81 ] والصحيح أنه لا حاجة إلى هذا التقدير لأن قوله { وآثارهم } يدل عليه والمراد بها ما هلكوا عليه من أثر حسن كعلم علموه أو كتاب صنفوه أو بقعة خير عمروها أو أثر سيء كبدعة وظلامة وآلات ملاه . وقيل : هي آثار المشائين إلى المساجد . عن جابر : أردنا النقلة إلى المسجد والبقاع حوله خالية فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عليكم دياركم فإنما تكتب آثاركم " وعن عمر بن عبد العزيز : لو كان الله مغفلاً شيئاً لأغفل هذه الآثار التي تعفيها الرياح أي تمحوها . وقيل : أراد ونكتب ما قدموا من نياتهم فإنها قبل الأعمال وآثارهم أي أعمالهم .

سؤال : كيف قدم إحياء الموتى على الكتابة ولم يقل " نكتب ما قدموا ونحييهم " لأجل الجزاء ؟ الجواب لأن الكتابة ليست مقصودة بالذات وإنما المقصود الأصلي هو الإحياء للجزاء ولو لم يكن إحياء وإعادة لم يكن للكتابة أثر . وأيضاً قوله { إنا نحن } دال على العظمة والجبروت ، والإحياء أمر عظيم لا يقدر عليه أحد إلا الله سبحانه بخلاف الكتابة ، فقدّم الأمر العظيم ليناسب اللفظ الدال على العظمة . وأيضاً أراد أن يرتب على كتابة الأعمال قوله { وكل شيء أحصيناه } ومعناه أن قبل هذه الكتابة كتابة أخرى فإن الله كتب عليهم أنهم سيفعلون كذا ، ثم إذا فعلوا كتب عليهم أنهم فعلوه . وفيه بيان أن الكتابة مقرونة بالحفظ والإحصاء ، فرب مكتوب غير محفوظ ولا مضبوط ، وفيه تعميم بعد تخصيص كأنه قال : ليست الكتابة مختصة بأفعالهم وإنما هي لكل شيء . والإمام اللوح لأن الملائكة يتبعون ما كتب فيه من أجل ورزق وإماتة وإحياء ، والمبين هو المظهر للأمور ، والفارق بين أحوال الخلق ، وحيث بين أن الإنذار لا ينفع من أضله الله وكتب عليه أنه لا يؤمن قال لنبيه صلى الله عليه وسلم لا تأس .

/خ44