وحين فرغ من بيان الرسالة شرع في أصل الحشر قائلاً { إنا نحن نحيي الموتى } على أن البشارة بالمغفرة والأجر لا يتم إلا بعد ثبوت الإعادة وهكذا خشية الرحمن بالغيب تناسب ذكر إحياء الأموات . والظاهر أن قوله { نحن } ضمير الفصل ويجوز أن يكون مبتدأ والفعل خبره والجملة خبر " إن " ويجوز أن يكون { نحن } خبر " إن " كقول القائل عند الافتخار بالشهرة : أنا أنا . كأن الله تعالى قال إنما نحن معروفون بأوصاف الكمال وإذا عرّفنا أنفسنا فلا تنكر قدرتنا على إحياء الموتى . وفي هذا التركيب أيضاً إشارة إلى التوحيد أي ليس غيرنا أحد يشاركنا حتى نقول إنا كذا فنمتاز . ثم أشار إلى العلم التام الذي يتوقف عليه المجازاة فقال { ونكتب ما قدّموا } أي أسلفوا من الأعمال صالحة كانت أو فاسدة . وقيل : أراد ما قدّموا وأخروا فاكتفى بأحدهما كقوله { سرابيل تقيكم الحر } [ النحل : 81 ] والصحيح أنه لا حاجة إلى هذا التقدير لأن قوله { وآثارهم } يدل عليه والمراد بها ما هلكوا عليه من أثر حسن كعلم علموه أو كتاب صنفوه أو بقعة خير عمروها أو أثر سيء كبدعة وظلامة وآلات ملاه . وقيل : هي آثار المشائين إلى المساجد . عن جابر : أردنا النقلة إلى المسجد والبقاع حوله خالية فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عليكم دياركم فإنما تكتب آثاركم " وعن عمر بن عبد العزيز : لو كان الله مغفلاً شيئاً لأغفل هذه الآثار التي تعفيها الرياح أي تمحوها . وقيل : أراد ونكتب ما قدموا من نياتهم فإنها قبل الأعمال وآثارهم أي أعمالهم .
سؤال : كيف قدم إحياء الموتى على الكتابة ولم يقل " نكتب ما قدموا ونحييهم " لأجل الجزاء ؟ الجواب لأن الكتابة ليست مقصودة بالذات وإنما المقصود الأصلي هو الإحياء للجزاء ولو لم يكن إحياء وإعادة لم يكن للكتابة أثر . وأيضاً قوله { إنا نحن } دال على العظمة والجبروت ، والإحياء أمر عظيم لا يقدر عليه أحد إلا الله سبحانه بخلاف الكتابة ، فقدّم الأمر العظيم ليناسب اللفظ الدال على العظمة . وأيضاً أراد أن يرتب على كتابة الأعمال قوله { وكل شيء أحصيناه } ومعناه أن قبل هذه الكتابة كتابة أخرى فإن الله كتب عليهم أنهم سيفعلون كذا ، ثم إذا فعلوا كتب عليهم أنهم فعلوه . وفيه بيان أن الكتابة مقرونة بالحفظ والإحصاء ، فرب مكتوب غير محفوظ ولا مضبوط ، وفيه تعميم بعد تخصيص كأنه قال : ليست الكتابة مختصة بأفعالهم وإنما هي لكل شيء . والإمام اللوح لأن الملائكة يتبعون ما كتب فيه من أجل ورزق وإماتة وإحياء ، والمبين هو المظهر للأمور ، والفارق بين أحوال الخلق ، وحيث بين أن الإنذار لا ينفع من أضله الله وكتب عليه أنه لا يؤمن قال لنبيه صلى الله عليه وسلم لا تأس .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.