فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ} (12)

ثم أخبر سبحانه بإحيائه الموتى ، فقال : { إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ الموتى } أي نبعثهم بعد الموت . وقال الحسن ، والضحاك ، أي نحييهم بالإيمان بعد الجهل ، والأوّل أولى . ثم توعدهم بكتب آثارهم ، فقال : { وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ } أي أسلفوا من الأعمال الصالحة والطالحة { وَءاثَارَهُمْ } أي ما أبقوه من الحسنات التي لا ينقطع نفعها بعد الموت . كمن سنّ سنّة حسنة أو نحو ذلك ، أو السيئات التي تبقى بعد موت فاعلها : كمن سن سنّة سيئة . قال مجاهد ، وابن زيد : ونظيره قوله : { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } [ الانفطار : 5 ] وقوله : { يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } [ القيامة : 13 ] . وقيل : المراد بالآية آثار المشائين إلى المساجد ، وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين . قال النحاس : وهو أولى ما قيل في الآية ؛ لأنها نزلت في ذلك . ويجاب عنه بأن الاعتبار بعموم الآية لا بخصوص سببها ، وعمومها يقتضي كتب جميع آثار الخير والشرّ ، ومن الخير : تعليم العلم ، وتصنيفه ، والوقف على القرب ، وعمارة المساجد ، والقناطر . ومن الشرّ : ابتداع المظالم ، وإحداث ما يضرّ بالناس ، ويقتدي به أهل الجور ، ويعملون عليه من مكس أو غيره ، ولهذا قال سبحانه : { وَكُلَّ شىْء أحصيناه في إِمَامٍ مُّبِينٍ } أي وكل شيء من أعمال العباد ، وغيرها كائناً ما كان ، في إمام مبين ، أي كتاب مقتدى به موضح لكل شيء . قال مجاهد ، وقتادة ، وابن زيد : أراد اللوح المحفوظ ، وقالت فرقة : أراد صحائف الأعمال .

قرأ الجمهور { ونكتب } على البناء للفاعل . وقرأ زرّ ، ومسروق على البناء للمفعول . وقرأ الجمهور { كُلّ شَىْء أحصيناه } بنصب { كل } على الاشتغال . وقرأ أبو السمأل بالرفع على الابتداء .

/خ12