فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ} (12)

{ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى } أي نبعثهم بعد الموت ، وقال الحسن والضحاك : أي نحييهم بالإيمان بعد الجهل ، والأول أولى ، وهو بيان لشأن عظيم ، ينطوي على الإنذار والتبشير انطواء إجماليا ثم توعدهم بكتب آثارهم فقال : { وَنَكْتُبُ } في صحف الملائكة .

{ مَا قَدَّمُوا } أي أسلفوا من الأعمال الصالحة والطالحة { وَآثَارَهُمْ } أي ما أبقوه من الحسنات التي لا ينقطع نفعها بعد الموت كمن سن سنة حسنة كعلم علموه أو كتاب صنفوه ، أو حبس حبسوه ، أو بناء بنوه من مسجد أو رباط ، أو قنطرة ، أو نحو ذلك ، أو السيئات التي تبقى بعد موت فاعلها ، كمن سن سنة سيئة كوظيفة وظفها بعد الظلام على المسلمين وسكة أحدثها فيها تخسيرهم ، وشيء أحدث فيه صد عن ذكر الله من ألحان وملاه ونحو ذلك{[1391]} . قال مجاهد وابن زيد : نظيره قوله : { علمت نفس ما قدمت وأخرت } ، وقوله { ينبؤ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر } ، وقيل : المراد بالآية آثار المشائين إلى المساجد ، وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين ، قال النحاس : وهو أولى ما قيل في الآية لأنها نزلت في ذلك ، ويجاب عنه بأن الاعتبار بعموم الآية لا بخصوص سببها ، وعمومها يقتضي كتب جميع آثار الخير والشر ، والإحياء هو المعتبر والكتابة مؤكدة معظمة لأمره ، فلهذا قدم الإحياء .

وقرئ : نكتب على البناء للفاعل وللمفعول .

عن أبي سعيد الخدري قال : ( كان بنو سلمة في ناحية من المدينة فأرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد فأنزل الله { إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم } فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( إنه يكتب آثارهم ثم قرأ عليهم الآية فتركوا ) أخرجه الترمذي وحسنه ، والبزار والحاكم وصححه ، وغيرهم .

وفي صحيح مسلم وغيره من حديث جابر قال : ( إن بني سلمة أرادوا أن يبيعوا ديارهم ويتحولوا قريبا من المسجد فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم ) {[1392]} .

{ وَكُلَّ شَيْءٍ } من أعمال العباد وغيرها كائنا ما كان ، وقرأ الجمهور بنصب كل على الاشتغال ، وقرئ بالرفع على الابتداء { أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ } أي كتاب مقتدى به { مُبِينٍ } موضح لكل شيء ، قال مجاهد وقتادة وابن زيد :أراد اللوح المحفوظ ، وقالت فرقه : أراد صحائف الأعمال .


[1391]:من قال معنى آثارهم (خطاهم بأرجلهم استدلوا بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عليكم منازلكم فإنما تكتب أثارهم) رواه الترمذي 2/ 155 ومن قال إنه الخطأ إلى الجمعة ومن قال: إنه من سنه سنة حسنة أو سيئة.
[1392]:رواه الطبري 22/154 والحاكم 2/ 428 والواحدي/209 ومسلم 1/ 462.