تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ بَلۡ مَكۡرُ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ إِذۡ تَأۡمُرُونَنَآ أَن نَّكۡفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجۡعَلَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۚ وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَغۡلَٰلَ فِيٓ أَعۡنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۖ هَلۡ يُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (33)

{ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا } أي : بل الذي دهانا منكم ، ووصل إلينا من إضلالكم ، ما دبرتموه من المكر ، في الليل والنهار ، إذ تُحَسِّنون لنا الكفر ، وتدعوننا إليه ، وتقولون : إنه الحق ، وتقدحون في الحق وتهجنونه ، وتزعمون أنه الباطل ، فما زال مكركم بنا ، وكيدكم إيانا ، حتى أغويتمونا وفتنتمونا .

فلم تفد تلك المراجعة بينهم شيئا إلا تبري بعضهم من بعض ، والندامة العظيمة ، ولهذا قال : { وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ } أي : زال عنهم ذلك الاحتجاج الذي احتج به بعضهم على بعض لينجو من العذاب ، وعلم أنه ظالم مستحق له ، فندم كل منهم غاية الندم ، وتمنى أن لو كان على الحق ، [ وأنه ] ترك الباطل الذي أوصله إلى هذا العذاب ، سرا في أنفسهم ، لخوفهم من الفضيحة في إقرارهم على أنفسهم . وفي بعض مواقف القيامة ، وعند دخولهم النار ، يظهرون ذلك الندم جهرا .

{ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا } الآيات .

{ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ }

{ وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا } يغلون كما يغل المسجون الذي سيهان في سجنه كما قال تعالى { إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ } الآيات .

{ هَلْ يُجْزَوْنَ } في هذا العذاب والنكال ، وتلك الأغلال الثقال { إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } من الكفر والفسوق والعصيان .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ بَلۡ مَكۡرُ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ إِذۡ تَأۡمُرُونَنَآ أَن نَّكۡفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجۡعَلَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۚ وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَغۡلَٰلَ فِيٓ أَعۡنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۖ هَلۡ يُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (33)

{ بل مكر الليل والنهار } المعنى أن المستضعفين قالوا للمستكبرين بل مكركم بنا في الليل والنهار سبب كفرنا وإعراب مكر مبتدأ وخبره محذوف ، أو خبر ابتداء مضمر ، وأضاف مكر إلى الليل والنهار على وجه الاتساع ، ويحتمل أن يكون إضافة إلى المفعول أو إلى الفاعل على وجه المجاز : كقولهم نهاره صيام وليله قيام أي : يصام فيه ويقام ، ودلت الإضافة على كثرة المكر ودوامه بالليل والنهار ، فإن قيل : لم أثبت الواو في قول الذين استضعفوا دون قول الذين استكبروا ؟ فالجواب أنه قد تقدم كلام الذين استضعفوا قبل ذلك فعطف عليه كلامهم الثاني ، ولم يتقدم للذين استكبروا كلام آخر فيعطف عليه .

{ وأسروا الندامة } أي : أخفوها في نفوسهم ، وقيل : أظهروها فهو من الأضداد ، والضمير لجميع المستضعفين والمستكبرين .