تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّآ إِحۡسَٰنٗا وَتَوۡفِيقًا} (62)

{ فَكَيْفَ } يكون حال هؤلاء الضالين { إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } من المعاصي ومنها تحكيم الطاغوت ؟ !

{ ثُمَّ جَاءُوكَ } معتذرين{[211]}  لما صدر منهم ، ويقولون : { إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا } أي : ما قصدنا في ذلك إلا الإحسان إلى المتخاصمين والتوفيق بينهم ، وهم كَذَبة في ذلك . فإن الإحسان كل الإحسان تحكيم الله ورسوله { ومَنْ أحْسَن من الله حكمًا لقوْمٍ يوقنون }

ولهذا قال : { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ }


[211]:- في النسختين: متعذرين.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّآ إِحۡسَٰنٗا وَتَوۡفِيقًا} (62)

ثم قال تعالى في ذم المنافقين : { فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } أي : فكيف بهم إذا ساقتهم المقادير إليك في مصائب تطرقهم بسبب ذنوبهم واحتاجوا إليك في ذلك ، { ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا } أي : يعتذرون إليك ويحلفون : ما أردنا بذهابنا إلى غيرك ، وتحاكمنا إلى عداك إلا الإحسان والتوفيق ، أي : المداراة والمصانعة ، لا اعتقادا منا صحة تلك الحكومة ، كما أخبرنا تعالى عنهم في قوله : { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى [ أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ ]{[7824]} فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ } [ المائدة : 52 ] .

وقد قال الطبراني : حدثنا أبو زيد أحمد بن يزيد الحَوْطِيّ ، حدثنا أبو اليمان ، حدثنا صفوان بن عمر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس . قال : كان أبو بَرْزَة الأسلمي كاهنا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه فتنافر إليه ناس من المسلمين فأنزل الله عز وجل : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ [ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ ]{[7825]} } إلى قوله : { إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا }


[7824]:زيادة من أ، وفي هـ: "إلى قوله".
[7825]:زيادة من أ.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّآ إِحۡسَٰنٗا وَتَوۡفِيقًا} (62)

تفريع على قوله : { وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول } [ النساء : 61 ] الآية ، لأنّ الصدود عن ذلك يوجب غضب الله عليهم ، فيوشك أن يصيبهم الله بمصيبة من غير فعل أحد ، مثل انكشاف حالهم للمؤمنين فيعرفوا بالكفر فيصبحوا مهدّدين ، أو مصيبة من أمر الله رسوله والمؤمنين بأن يظهروا لهم العداوة وأن يقتلوهم لنفاقهم فيجيئوا يعتذرون بأنّهم ما أرادوا بالتحاكم إلى أهل الطاغوت إلاّ قصد الإحسان إليهم وتأليفهم إلى الإيمان والتوفيق بينهم وبين المؤمنين . وهذا وعيد لهم لأنّ { إذا } للمستقبل ، فالفعلان بعدها : وهما { أصابتهم } و { جاؤوك } مستقبلان ، وهو مثل قوله : { لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينّك بهم ثمّ لا يجاورونك فيها إلاّ قليلاً ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً } .

و { كَيْفَ } خبر مبتدأ محذوف معلوم من سياق الكلام : أي كيف حالهم حين تصيبهم مصيبة بسبب ما فعلوا فيجيئونك معتذرين .

والاستفهام مستعمل في التهويل ، كما تقدّم القول فيه في قوله تعالى آنفاً : { فكيف إذا جئنا من كلّ أمة بشهيد } .

وتركيب « كيف بك » يقال إذا أريدت بشارة أو وعيد تعجيباً أو تهويلاً . فمن الأوّل قول النبي صلى الله عليه وسلم لسُراقة بن مالك : « كيْف بك إذ لبست سِوارَيْ كسرى » بشارة بأنّ سواري كسرى سيقعان بيد جيش المسلمين ، فلمّا أتي بسواري كسرى في غنائم فتح فارس ألبسهما عُمَرُ بن الخطاب سُراقَةَ بن مالك تحقيقاً لمعجزة النبي صلى الله عليه وسلم .

ومن الثاني قوله تعالى : { فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه } [ آل عمران : 25 ] وقد جمع الأمرين قوله تعالى : { فكيف إذا جئنا من كلّ أمّة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } [ النساء : 41 ] الآية .