{ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا } أي : ويعطي من يشاء من الناس الزوجين الذكر والأنثى ، أي : من هذا وهذا{[25972]} . قال البغوي : كمحمد ، عليه الصلاة والسلام { وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا } أي : لا يولد له . قال البغوي : كيحيى وعيسى ، عليهما السلام ، فجعل الناس أربعة أقسام ، منهم من يعطيه البنات ، ومنهم من يعطيه البنين ، ومنهم من يعطيه من النوعين ذكورا وإناثا ، ومنهم من يمنعه هذا وهذا ، فيجعله عقيما لا نسل له ولا يولد له ، { إِنَّهُ عَلِيمٌ } أي : بمن يستحق كل قسم من هذه الأقسام ، { قَدِيرٌ } أي : على من يشاء ، من تفاوت الناس في ذلك .
وهذا المقام شبيه بقوله تعالى عن عيسى : { وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ } [ مريم : 21 ] أي : دلالة لهم على قدرته ، تعالى وتقدس ، حيث خلق الخلق على أربعة أقسام ، فآدم ، عليه السلام ، مخلوق من تراب لا من ذكر ولا أنثى ، وحواء عليها السلام ، [ مخلوقة ]{[25973]} من ذكر بلا أنثى ، وسائر الخلق سوى عيسى [ عليه السلام ] {[25974]} من ذكر وأنثى ، وعيسى ، عليه السلام ، من أنثى بلا ذكر فتمت الدلالة بخلق عيسى ابن مريم ، عليهما السلام ؛ ولهذا قال : { وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ } ، فهذا المقام في الآباء ، والمقام الأول في الأبناء ، وكل منهما أربعة أقسام ، فسبحان العليم القدير .
والتزويج قرن الشيء بشيء آخر فيصيران زوجاً . ومن مجازه إطلاقه على إنكاح الرجل امرأة لأنهما يصيران كالزوج ، والمراد هنا : جعلهم زوجاً في الهبة ، أي يجمع لمن يشاء فيهب له ذكراناً مشفَّعين بإناث فالمراد التزويج بصنف آخر لا مقابلة كل فرد من الصنف بفَرد من الصنف الآخر .
والضمير في { يزوجهم } عائد إلى كلاً من الإناث والذكور . وانتصب { ذكراناً وإناثاً } على الحال من ضمير الجمع في { يزوجهم } .
والعقيم : الذي لا يولد له من رجل أو امرأة ، وفعله عَقِم من باب فرِح وعقُم من باب كرم . وأصل فعله أن يتعدّى إلى المفعول يقال عقمها الله من باب ضرب ، ويقال عُقِمت المرأة بالبناء للمجهول ، أي عقَمها عاقم لأن سبب العقم مجهول عندهم . فهو مما جاء متعدياً وقاصراً ، فالقاصر بضم القاف وكسرها والمتعدي بفتحها ، والعقيم : فعيل بمعنى مفعول ، فلذلك استوى فيه المذكر والمؤنث غالباً ، وربما ظهرت التاء نادراً قالوا : رحم عقيمة .
جملة في موضع العلة للمبدل منه وهو { يخلق ما يشاء } فموقع ( إنّ ) هنا موقع فاء التفريع . والمعنى : أن خلقه ما يشاء ليس خلقاً مهملاً عرياً عن الحكمة لأنه واسع العلم لا يفوته شيء من المعلومات فخلقه الأشياء يجري على وفق علمه وحكمته . وهو { قدير } نافذ القدرة ، فإذا علم الحكمة في خلق شيء أراده ، فجرى على قَدَره . ولمّا جمع بين وصفي العلم والقدرة تعين أن هنالك صفة مطوية وهي الإرادة لأنه إنما تتعلق قدرته بعد تعلق إرادته بالكائن .
وتفصيلُ المعنى : أنه عليم بالأسباب والقُوى والمؤثرات التي وضعها في العوالم ، وبتوافق آثار بعضها وتخالف بعض ، وكيف تتكون الكائنات على نحو ما قُدِّر لها من الأوضاع ، وكيف تتظاهر فتأتي الآثار على نسق واحد ، وتتمانع فينقص تأثير بعضها في آثاره بسبب ممانعة مؤثراتتٍ أخرى ، وكل ذلك من مظاهر علمه تعالى في أصل التكوين العالمي ومظاهر قدرته في الجري على وفاق علمه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.