تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَمۡ يَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن يَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبٞ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِي} (86)

فلما رجع موسى إلى قومه وهو غضبان أسف ، أي : ممتلئ غيظا وحنقا وغما ، قال لهم موبخا ومقبحا لفعلهم : { يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا } وذلك بإنزال التوراة ، { أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ } أي : المدة ، فتطاولتم غيبتي وهي مدة قصيرة ؟ هذا قول كثير من المفسرين ، ويحتمل أن معناه : أفطال عليكم عهد النبوة والرسالة ، فلم يكن لكم بالنبوة علم ولا أثر ، واندرست آثارها ، فلم تقفوا منها على خبر ، فانمحت آثارها لبعد العهد بها ، فعبدتم غير الله ، لغلبة الجهل ، وعدم العلم بآثار الرسالة ؟ أي : ليس الأمر كذلك ، بل النبوة بين أظهركم ، والعلم قائم ، والعذر غير مقبول ؟ أم أردتم بفعلكم ، أن يحل عليكم غضب من ربكم ؟ أي : فتعرضتم لأسبابه واقتحمتم موجب عذابه ، وهذا هو الواقع ، { فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي } حين أمرتكم بالاستقامة ، ووصيت بكم هارون ، فلم ترقبوا غائبا ، ولم تحترموا حاضرا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَمۡ يَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن يَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبٞ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِي} (86)

وقوله : { فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا } أي : بعد ما أخبره تعالى بذلك ، في غاية الغضب والحَنَق عليهم ، هو فيما هو فيه من الاعتناء بأمرهم ، وتَسَلّم التوراة التي فيها شريعتهم ، وفيها شرف لهم . وهم قوم قد عبدوا غير الله ما يَعْلَمُ كل عاقل له لب [ وحزم ]{[19462]} بطلان{[19463]} [ ما هم فيه ]{[19464]} وسخافة عقولهم وأذهانهم ؛ ولهذا رجع إليهم غضبان أسفًا ، والأسف : شدة الغضب .

وقال مجاهد : { غَضْبَانَ أَسِفًا } أي : جزعًا . وقال قتادة ، والسدي : { أَسِفًا } أي : حزينًا على ما صنع قومه من بعده .

{ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا } أي : أما وعدكم على لساني كل خير في الدنيا والآخرة ، وحسن العاقبة كما شاهدتم من نصرته إياكم على عدوكم ، وإظهاركم عليه ، وغير ذلك من أياديه عندكم ؟ { أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ } أي : في انتظار ما وعدكم الله . ونسيان ما سلف من{[19465]} نعمه ، وما بالعهد من قدم . { أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ } " أم " هاهنا بمعنى " بل " وهي للإضراب عن الكلام الأول ، وعدول إلى الثاني ، كأنه يقول : بل أردتم بصنيعكم هذا أن يحل عليكم غضب من ربكم { فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي }


[19462]:زيادة من ف، أ.
[19463]:في ف: "بضلال".
[19464]:زيادة من ف، أ وفي هـ: "ما لقيه".
[19465]:في ف: "في".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَمۡ يَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن يَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبٞ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِي} (86)

فلما أخبر الله تعالى موسى عليه السلام بما وقع رجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً عليهم من حيث له قدرة على تغيير منكرهم { أسفاً } أي : حزيناً من حيث علم أنه موضع عقوبة لابد له بدفعها ، ولا بد منها ، و‹الأسف› في كلام العرب متى كان من ذي قدرة على من دونه فهو غضب ، ومتى كان من الأقل على الأقوى فهو حزن ، وتأمل ذلك فهو مطرد إن شاء الله عز وجل .

{ قَالَ ياقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي }

وبخ موسى عليه السلام قومه بهذه المقالة و «الوعد الحسن » هو ما وعدهم من الوصول إلى جانب الطور الأيمن وما بعد ذلك من الفتوح في الأرض والمغفرة لمن تاب وآمن وغير ذلك مما وعد الله تعالى به أهل طاعته ، وقوله { وعداً } إما أن يكون نصباً على المصدر والمفعول الثاني مقدراً ، وإما أن يكون بمعنى الموعود ويكون هو المفعول الثاني بعينه ، ثم وقفهم على أعذار لم تكن ولا تصح لهم وهي طول { العهد } حتى يتبين لهم خلف في الموعد أو إرادة غضب الله تعالى . وذلك كله لم يكن ولكنهم عملوا عمل من لم يتدين وسمي العذاب «غضباً » من حيث هو عن الغضب ، والغضب إن جعل بمعنى الإرادة فهو صفة ذات وإن جعل ظهور النقمة والعقاب فهو صفة فعل فهو من المتردد بين الحالين .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَمۡ يَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن يَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبٞ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِي} (86)

الغضب : انفعال للنفس وهيجان ينشأ عن إدراك ما يسوؤها ويسخطها دون خوف ، والوصف منه غَضبان .

والأسف : انفعال للنفس ينشأ من إدراك ما يحزنها وما تكرهه مع انكسار الخاطر . والوصف منه أسِف . وقد اجتمع الانفعالان في نفس موسى لأنه يسوؤه وقوع ذلك في أمته وهو لا يخافهم ، فانفعاله المتعلّق بحالهم غضب ، وهو أيضاً يحزنه وقوع ذلك وهو في مناجاة الله تعالى التي كان يأمل أن تكون سبب رضى الله عن قومه فإذا بهم أتوا بما لا يرضي الله فقد انكسر خاطره بين يديه ربّه .

وهذا ابتداء وصف قيام موسى في جماعة قومه وفيهم هارون وفيهم السامريّ ، وهو يقرع أسماعهم بزواجر وعظه ، فابتدأ بخطاب قومه كلهم ، وقد علم أن هارون لا يكون مشايعاً لهم ، فلذلك ابتدأ بخطاب قومه ثمّ وجّه الخطاب إلى هارون بقوله { قال يا هارون ما منعك } [ طه : 92 ] .

وجملة { قَالَ ياقوم أَلَم } مستأنفة بيانية .

وافتتاح الخطاب ب { ياقوم } تمهيدٌ لِلّوم لأن انجرار الأذى للرجل من قومه أحق في توجيه الملام عليهم ، وذلك قوله { فَأَخْلَفْتُم مَوْعِدِي } .

والاستفهام في { أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ } إنكاري ؛ نزِّلوا منزلة من زعم أن الله لم يعدهم وعداً حسناً لأنّهم أجروا أعمالهم على حال من يزعم ذلك فأنكر عليهم زعمهم . ويجوز أن يكون تقريرياً ، وشأنه أن يكون على فرض النّفي كما تقدم غير مرّة .

والوعْدُ الحسن هو : وعده مُوسى بإنزال التّوارة ، ومواعدته ثلاثين ليلةً للمناجاة ، وقد أعلمهم بذلك ، فهو وعد لقومه لأنّ ذلك لصلاحهم ، ولأنّ الله وعدهم بأن يكون ناصراً لهم على عدوّهم وهادياً لهم في طريقهم ، وهو المحكي في قوله { وواعدناكم جانب الطور الأيمن } [ طه : 80 ] .

والاستفهام في { أفَطَالَ عَلَيْكُم العَهدُ } مُفرّع على قوله { ألَمْ يَعِدكُم رَبُّكُمْ } ، وهو استفهام إنكاري ، أي ليس العهد بوعد الله إياكم بعيداً . والمراد بطول العهد طول المدّة ، أي بُعدها ، أي لم يبعد زمن وعد ربّكم إياكم حتى يكون لكم يأس من الوفاء فتكفروا وتكذّبوا مَن بلغكم الوعد وتعبدوا رباً غير الذي دعاكم إليه مَن بلغكم الوعد فتكون لكم شبهة عذر في الإعْراض عن عبادة الله ونسيان عهده .

والعهد : معرفة الشيء وتذكّره ، وهو مصدر يجوز أن يكون أطلق على المفعول كإطلاق الخلق على المخلوق ، أي طال المعهود لكم وبعُد زمنه حتى نسيتموه وعملتم بخلافه . ويجوز أن يبقى على أصل المصدر وهو عهدهم الله على الامتثال والعمل بالشريعة . وتقدم في قوله تعالى : { الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه } وقوله { وأوفوا بعهدي } في [ سورة البقرة : 27 و40 ] .

و { أَم } إضراب إبطالي . والاستفهام المقدّر بعد { أَمْ } في قوله { أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم } [ طه : 86 ] إنكاري أيضاً ، إذ التقدير : بل أردتم أن يحل عليكم غضب ، فلا يكون كفركم إذن إلا إلقاءً بأنفسكم في غضب الله كحال من يحب أن يحِل عليه غضب من الله .

ففي قوله { أَرَدْتُمْ أن يَحِلَّ عَلَيكُمْ غَضَبٌ مِن رَبِّكُمْ } استعارة تمثيلية ، إذ شبه حالهم في ارتكابهم أسباب حلول غضب الله عليهم بدون داع إلى ذلك بحال من يحبّ حلول غضب الله عليه ؛ إذ الحب لا سبب له .

وقوله { فَأَخْلَفْتُم مَوْعِدِي } تفريع على الاستفهام الإنكاري الثاني . ومعنى { مَوْعِدِي } هو وعد الله على لسانه ، فإضافته إلى ضميره لأنه الواسطة فيه .