يذكر تعالى نعمته وإحسانه على أبينا آدم عليه السلام ، وما جرى من عدوه إبليس ، وفي ضمن ذلك التحذير لنا من شره وفتنته فقال تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ } أي آدم عليه السلام { مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ } أي : من طين قد يبس بعد ما خمر حتى صار له صلصلة وصوت ، كصوت الفخار ، والحمأ المسنون : الطين المتغير لونه وريحه من طول مكثه .
قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة : المراد بالصلصال هاهنا : التراب اليابس .
والظاهر أنه كقوله تعالى : { خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مَن مَّارِجٍ مِّنْ نَّارٍ } [ الرحمن : 14 - 15 ]
وعن مجاهد أيضا : الصلصال : المنتن .
وتفسير الآية بالآية أولى{[16149]}
وقوله : { مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ } أي : الصلصال من حمأ ، وهو : الطين . والمسنون : الأملس ، كما قال الشاعر{[16150]} ثم خاصرتها إلى القبة الخضراء تمشي في مرمر مسنون
ولهذا روي عن ابن عباس : أنه قال : هو التراب الرطب . وعن ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك أيضا : أن الحمأ المسنون هو المنتن . وقيل : المراد بالمسنون هاهنا : المصبوب .
وقوله تعالى : { ولقد خلقنا الإنسان } الآية ، { الإنسان } هنا للجنس ، والمراد آدم ، قال ابن عباس سمي بذلك لأنه عهد إليه فنسي ، ودخل من بعده في ذلك إذ هو من نسله ، و «الصلصال » : الطين الذي إذا جف صلصل ، هذا قول فرقة ، منها من قال : هو طين الخزف ، ومنها قول الفراء : هو الطين الحر يخالطه رمل دقيق .
وقال ابن عباس : خلق من ثلاثة : من طين لازب وهو اللازق والجيد ، ومن { صلصال } وهو الأرض الطيبة يقع عليها الماء ثم ينحسر فتشقق وتصير مثل الخزف ، ومن { حمإ مسنون } وهو الطين في الحمأة .
قال القاضي أبو محمد : وكان الوجه أن يقال - على هذا المعنى - صلال ، ولكن ضوعف الفعل من فائه وأبدلت إحدى اللامين من صلاص صاداً . وهذا مذهب الكوفيين ، وقاله ابن جني والزبيدي ونحوهما على البصرة ، ومذهب جمهور البصريين : إنهما فعلان متباينان ، وكذلك قالوا في ثرة وثرثارة . قال بعضهم تقول : صل الخزف ونحوه : إذا صوت بتمديد : فإذا كان في صوته ترجيع كالجرس ونحوه قلت : صلصل ، ومنه قول الكميت : [ البسيط ]
فينا العناجيج تردي في أعنتها . . . شعثاً تصلصل في أشداقها اللجم{[7161]}
وقال مجاهد وغيره : { صلصال } هنا إنما هو مأخوذ من صل اللحم وغيره : إذا انتن .
قال القاضي أبو محمد : فجعلوا معنى { صلصال } ومعنى { حمإ } في لزوم أنتن شيئاً واحداً .
قال القاضي أبو محمد : و «الحمأ » جمع حمأة وهو الطين الأسود المنتن يخالطه ماء . و «المسنون » قال معمر : هو المنتن ، وهو من أسن الماء إذا تغير .
قال القاضي أبو محمد : والتصريف يرد هذا القول . وقال ابن عباس : «المسنون » : الرطب .
قال القاضي أبو محمد : وهذا تفسير لا يخص اللفظة . وقال الحسن ، المعنى : سن ذريته على خلقه . والذي يترتب في { مسنون } إما أن يكون بمعنى محكوك محكم العمل أملس السطح ، فيكون من معنى المسن والسنان ، وقولهم : سننت السكين وسننت الحجر : إذا أحكمت تمليسه ، ومن ذلك قول الشاعر : [ الخفيف ]
ثم دافعتها إلى القبة الخضرا . . . ء وتمشي في مرمر مسنون{[7162]}
أي محكم الإملاس بالسن ، وإما أن يكون بمعنى المصبوب ، تقول : سننت التراب والماء إذا صببته شيئاً بعد شيء ، ومنه قول عمرو بن العاص لمن حضر دفنه : إذا أدخلتموني في قبري فسنوا علي التراب سناً ، ومن هذا : هو سن الغارة . وقال الزجاج : هو مأخوذ من كونه على سنة الطريق ، لأنه إنما يتغير إذا فارق الماء ، فمعنى الآية - على هذا - من حمأ مصبوب موضوع بعضه فوق بعض على مثال وصورة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.