تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أُحِلَّ لَكُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمۡۚ هُنَّ لِبَاسٞ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسٞ لَّهُنَّۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَخۡتَانُونَ أَنفُسَكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡ وَعَفَا عَنكُمۡۖ فَٱلۡـَٰٔنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبۡتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ وَلَا تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَٰكِفُونَ فِي ٱلۡمَسَٰجِدِۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ} (187)

ثم قال تعالى : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }

كان في أول فرض الصيام ، يحرم على المسلمين في الليل بعد النوم الأكل والشرب والجماع ، فحصلت المشقة لبعضهم ، فخفف الله تعالى عنهم ذلك ، وأباح في ليالي الصيام كلها الأكل والشرب والجماع ، سواء نام أو لم ينم ، لكونهم يختانون أنفسهم بترك بعض ما أمروا به .

{ فتاب } الله { عليكم } بأن وسع لكم أمرا كان - لولا توسعته - موجبا للإثم { وعفا عنكم } ما سلف من التخون .

{ فالآن } بعد هذه الرخصة والسعة من الله { باشروهن } وطأ وقبلة ولمسا وغير ذلك .

{ وابتغوا ما كتب الله لكم } أي : انووا في مباشرتكم لزوجاتكم التقرب إلى الله تعالى والمقصود الأعظم من الوطء ، وهو حصول الذرية وإعفاف فرجه وفرج زوجته ، وحصول مقاصد النكاح .

ومما كتب الله لكم ليلة القدر ، الموافقة لليالي صيام رمضان ، فلا ينبغي لكم أن تشتغلوا بهذه اللذة عنها وتضيعوها ، فاللذة مدركة ، وليلة القدر إذا فاتت لم تدرك .

{ وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } هذا غاية للأكل والشرب والجماع ، وفيه أنه إذا أكل ونحوه شاكا في طلوع الفجر فلا بأس عليه .

وفيه : دليل على استحباب السحور للأمر ، وأنه يستحب تأخيره أخذا من معنى رخصة الله وتسهيله على العباد .

وفيه أيضا دليل على أنه يجوز أن يدركه الفجر وهو جنب من الجماع قبل أن يغتسل ، ويصح صيامه ، لأن لازم إباحة الجماع إلى طلوع الفجر ، أن يدركه الفجر وهو جنب ، ولازم الحق حق .

{ ثم } إذا طلع الفجر { أتموا الصيام } أي : الإمساك عن المفطرات { إلى الليل } وهو غروب الشمس ولما كان إباحة الوطء في ليالي الصيام ليست إباحته{[126]}  عامة لكل أحد ، فإن المعتكف لا يحل له ذلك ، استثناه بقوله : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } أي : وأنتم متصفون بذلك ، ودلت الآية على مشروعية الاعتكاف ، وهو لزوم المسجد لطاعة الله [ تعالى ] ، وانقطاعا إليه ، وأن الاعتكاف لا يصح إلا في المسجد .

ويستفاد من تعريف المساجد ، أنها المساجد المعروفة عندهم ، وهي التي تقام فيها الصلوات الخمس .

وفيه أن الوطء من مفسدات الاعتكاف .

{ تلك } المذكورات - وهو تحريم الأكل والشرب والجماع ونحوه من المفطرات في الصيام ، وتحريم الفطر على غير المعذور ، وتحريم الوطء على المعتكف ، ونحو ذلك من المحرمات { حدود الله } التي حدها لعباده ، ونهاهم عنها ، فقال : { فلا تقربوها } أبلغ من قوله : " فلا تفعلوها " لأن القربان ، يشمل النهي عن فعل المحرم بنفسه ، والنهي عن وسائله الموصلة إليه .

والعبد مأمور بترك المحرمات ، والبعد منها غاية ما يمكنه ، وترك كل سبب يدعو إليها ، وأما الأوامر فيقول الله فيها : { تلك حدود الله فلا تعتدوها } فينهى عن مجاوزتها .

{ كذلك } أي : بيَّن [ الله ] لعباده الأحكام السابقة أتم تبيين ، وأوضحها لهم أكمل إيضاح .

{ يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون } فإنهم إذا بان لهم الحق اتبعوه ، وإذا تبين لهم الباطل اجتنبوه ، فإن الإنسان قد يفعل المحرم على وجه الجهل بأنه محرم ، ولو علم تحريمه لم يفعله ، فإذا بين الله للناس آياته ، لم يبق لهم عذر ولا حجة ، فكان ذلك سببا للتقوى .


[126]:- في ب: إباحة.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أُحِلَّ لَكُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمۡۚ هُنَّ لِبَاسٞ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسٞ لَّهُنَّۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَخۡتَانُونَ أَنفُسَكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡ وَعَفَا عَنكُمۡۖ فَٱلۡـَٰٔنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبۡتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ وَلَا تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَٰكِفُونَ فِي ٱلۡمَسَٰجِدِۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ} (187)

هذه رُخْصة من الله تعالى للمسلمين ، ورَفْع لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام ، فإنه كان إذا أفطر أحدهم إنما يحل له الأكل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء أو ينام قبل ذلك ، فمتى نام أو صلى العشاء حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى الليلة القابلة . فوجدوا من ذلك مَشَقة كبيرة . والرفث هنا هو : الجماع . قاله{[3270]} ابن عباس ، وعطاء ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وطاوس ، وسالم بن عبد الله ، وعَمْرو بن دينار{[3271]} والحسن ، وقتادة ، والزهري ، والضحاك ، وإبراهيم النَّخَعي ، والسّدي ، وعطاء الخراساني ، ومقاتل بن حيان .

وقوله : { هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ } قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جُبَير ، والحسن ، وقتادة ، والسدي ، ومقاتل بن حيان : يعني هن سَكَن لكم ، وأنتم سكن لهن .

وقال الربيع بن أنس : هن لحاف لكم وأنتم لحاف لهن .

وحاصله أنّ الرجل والمرأة كل منهما يخالط الآخر ويُمَاسه ويضاجعه ، فناسب أن يُرَخَّص لهم في المجامعة في ليل رمضانَ ، لئلا يشقّ ذلك عليهم ، ويحرجوا ، قال الشاعر{[3272]} :

إذا ما الضجيع ثَنَى جيدها *** تَدَاعَتْ فكانت عليه لباسا

وكان السبب في نزول هذه الآية كما تقدم في حديث معاذ الطويلِ ، وقال أبو إسحاق عن البراء ابن عازب قال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائمًا فنام قبل أن يفطر ، لم يأكل إلى مثلها ، وإن قَيْس بن صِرْمة{[3273]} الأنصاري كان صائمًا ، وكان يومه ذاك يعمل في أرضه ، فلما حَضَر الإفطار أتى امرأته فقال : هل عندك طعام ؟ قالت : لا ولكن أنطلق فأطلب لك . فغلبته عينُه فنام ، وجاءت امرأته ، فلما رأته نائما قالت : خيبة لك ! أنمت ؟ فلما انتصف النهار غُشي عليه ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } إلى قوله : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } ففرحوا بها فرحًا شديدًا{[3274]} .

ولفظ البخاري هاهنا من طريق أبي إسحاق : سمعت البراء قال : لما نزل صومُ رمضان كانوا لا يقرَبُون النساء ، رَمَضَان كُلّه ، وكان رجَال يخونون أنفسهم ، فأنزل الله : { عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ }{[3275]} .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : كان المسلمون في شهر رمضان إذا صَلُّوا العشاء حَرُم عليهم{[3276]} النساء والطعام إلى مثلها من القابلة ، ثم إن أناسًا من المسلمين أصابوا من النساء والطعام في شهر رمضان بعد العشاء ، منهم عمر بن الخطاب ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى : { عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ } وكذا روى العوفي عن ابن عباس .

وقال موسى بن عقبة ، عن كُرَيْب ، عن ابن عباس ، قال : إن الناس كانوا قبل أن ينزل في الصوم ما نزل فيهم يأكلون ويشربون ، ويحل لهم شأن النساء ، فإذا نام أحدهُم لم يطعم ولم يشرَب ولا يأتي أهله حتى يفطر من القابلة ، فبلغنا أن عُمَر بن الخطاب بعدما نام ووجب عليه الصوْمُ وَقَع على أهله ، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أشكو إلى الله وإليك الذي صنعت . قال : " وماذا صنعت ؟ " قال : إني سَوَّلَتْ لي نفسي ، فوقعت على أهلي بعد ما نمت وأنا أريد الصوم . فزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما كنت خليقًا أن تفعل " . فنزل الكتاب : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ }

وقال سعيد بن أبي عَرُوبة ، عن قيس بن سعد{[3277]} ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن أبي هريرة في قول الله تعالى{[3278]} { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } إلى قوله : { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } قال : كانَ المسلمون قبلَ أن تنزل هذه الآية إذا صلوا العشاء الآخرة حَرُمَ عليهم الطعام والشراب والنساء حتى يفطروا ، وإن عمر بن الخطاب أصاب أهله بعد صلاة العشاء ، وأن صِرْمة بن قيس الأنصاري غلبته عينه بعد صلاة المغرب ، فنام ولم يشبع من الطعام ، ولم يستيقظ حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ، فقام فأكل وشرب ، فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره{[3279]} بذلك ، فأنزل الله عند ذلك : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } يعني بالرفث : مجامعة النساء { هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ } يعني : تجامعون النساء ، وتأكلون وتشربون بعد العشاء { فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ } يعني : جامعوهن { وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } يعني : الولد { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } فكان ذلك عفوًا من الله ورحمة .

وقال هُشَيم ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن عبد الرحمن بن أبِي ليلى ، قال : قام عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، فقال : يا رسول الله ، إني أردت أهلي البارحة{[3280]} على ما يريد الرجلُ أهلهُ فقالت : إنها قد نامت ، فظننتها تعْتلّ ، فواقعتها ، فنزل في عمر : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ }

وهكذا رواه شعبة ، عن عَمْرو بن مُرّة ، عن ابن أبي ليلى ، به{[3281]} .

وقال أبو جعفر بن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا سويد ، أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن لَهِيعة ، حدثني موسى بن جبير - مولى بني سلمة - أنه سمع عبد الله بن كعب بن مالك يحدث عن أبيه قال : كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فأمسَى فنام ، حُرّم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد . فرجع عمر بن الخطاب من عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقد سَمَرَ عنده ، فوجد امرأته قد نامت ، فأرادها ، فقالت : إني قد نمت ! فقال : ما نمت ! ثم وقع بها . وصنع كعب بن مالك مثل ذلك . فغدا عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فأنزل الله : { عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ } [ الآية ]{[3282]} {[3283]} .

وهكذا روي عن مجاهد ، وعطاء ، وعكرمة ، والسدي ، وقتادة ، وغيرهم في سبب نزول هذه الآية في عمر بن الخطاب ومن صنع كما صنع ، وفي صِرْمة بن قيس ؛ فأباح الجماعَ والطعام والشراب في جميع الليل رحمة ورخصة ورفقًا .

وقوله : { وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } قال أبو هريرة ، وابن عباس {[3284]} وأنس ، وشُرَيح القاضي ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، والربيع بن أنس ، والسدي ، وزيد بن أسلم ، والحكم بن عتبة{[3285]} ومقاتل بن حيان ، والحسن البصري ، والضحاك ، وقتادة ، وغيرهم : يعني الولد .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : { وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } يعني : الجماع .

وقال عَمْرو بن مالك النَّكْري ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس : { وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } قال : ليلة القدر . رواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا مَعْمَر قال : قال قتادة : وابتغوا الرخصة التي كتب الله لكم . وقال سعيد عن قتادة : { وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } يقول : ما أحل الله لكم .

وقال عبد الرزاق أيضًا : أخبرنا ابن عُيَيْنة ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء بن أبي رباح ، قال : قلت لابن عباس : كيف تقرأ هذه الآية : { وَابْتَغُوا } أو : " اتبعوا " ؟ قال : أيتهما شئت : عليك بالقراءة الأولى .

واختار ابن جرير أنّ الآية أعمّ من هذا كله .

وقوله : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } أباح تعالى الأكل والشرب ، مع ما تقدم من إباحة الجماع في أيّ الليل شاء الصائمُ إلى أن يتبين ضياءُ الصباح من سواد الليل ، وعبر عن ذلك بالخيط الأبيض من الخيط الأسود ، ورفع اللبس بقوله : { مِنَ الْفَجْرِ } كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أبو عبد الله البخاري : حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا أبو غَسَّان محمد بن مُطَرِّف ، حدثني أبو حازم ، عن سهل بن سعد ، قال : أنزلت : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ } ولم يُنزلْ { مِنَ الْفَجْرِ } وكان رجال إذا أرادوا الصوم ، رَبَطَ أحدُهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود ، فلا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما ، فأنزل الله بعد : { مِنَ الْفَجْرِ } فعلموا أنما يعني : الليل والنهار{[3286]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا هُشَيم ، أخبرنا حُصَين ، عن الشعبي ، أخبرني عَديّ بن حاتم قال : لما نزلت هذه الآية : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ } عَمَدت إلى عقالين ، أحدُهما أسود والآخر أبيض ، قال : فجعلتهما تحت وسادتي ، قال : فجعلت أنظر إليهما فلا تَبَيَّن{[3287]} لي الأسود من الأبيض ، ولا الأبيض من الأسود ، فلما أصبحت غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بالذي صنعت . فقال : " إنّ وسادك إذًا لعريض ، إنما ذلك بياض النهار وسواد{[3288]} الليل " {[3289]} .

أخرجاه في الصحيحين من غير وجه ، عن عَديّ{[3290]} . ومعنى قوله : " إن وسادك إذًا لعريض " أي : إن كان يسعُ لوضع الخيط الأسود والخيط الأبيض المرادين من هذه الآية تحتها ، فإنهما بياض النهار وسواد الليل . فيقتضي أن يكون بعرض المشرق والمغرب .

وهكذا وقع في رواية البخاري مفسرا بهذا : أخبرنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا أبو عوانة ، عن حُصَين ، عن الشعبي ، عن عَدِيّ قال : أخذ عَدي عقالا أبيض وعقالا أسود ، حتى كان بعض الليل نظر فلم يتبينا{[3291]} . فلما أصبح قال : يا رسول الله ، جعلت تحت وسادتي . قال : " إن وسادك إذًا لعريض ، إنْ كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك " {[3292]} .

وجاء في بعض الألفاظ : إنك لعريض القفا . ففسره بعضهم بالبلادة ، وهو ضعيف . بل يرجع إلى هذا ؛ لأنه إذا كان وساده عريضا فقفاه أيضًا عريض ، والله أعلم . ويفسره رواية البخاري أيضًا :

حدثنا قتيبة ، حدثنا جرير ، عن مُطَرّف ، عن الشعبي ، عن عدي بن حاتم قال : قلت : يا رسول الله ، ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، أهما الخيطان ؟ قال : " إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين " . ثم قال : " لا بل هو{[3293]} سواد الليل وبياض النهار " {[3294]} .

وفي إباحته تعالى جوازَ الأكل إلى طلوع الفجر ، دليل على استحباب السَّحُور ؛ لأنه من باب الرخصة ، والأخذ بها محبوب ؛ ولهذا وردت السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحث على السَّحور [ لأنه من باب الرخصة والأخذ بها ]{[3295]} ففي الصحيحين عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تَسَحَّرُوا فإن في السَّحور بركة " {[3296]} . وفي صحيح مسلم ، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن فَصْل{[3297]} ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السَّحَر{[3298]} " {[3299]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى{[3300]} هو ابن الطباع ، حدثنا عبد الرحمن بن زيد ، عن أبيه ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " السَّحور أكْلُهُ بركة ؛ فلا تدعوه ، ولو أنّ أحدكم يَجْرَع جرعة من ماء ، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين " {[3301]} .

وقد ورد في الترغيب في السحور أحاديث كثيرة حتى ولو بجرعة من ماء ، تشبهًا{[3302]} بالآكلين . ويستحب تأخيره إلى قريب انفجار الفجر ، كما جاء في الصحيحين ، عن أنس بن مالك ، عن زيد بن ثابت ، قال : تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قمنا إلى الصلاة . قال أنس : قلت لزيد : كم كان بين الأذان والسحور ؟ قال : قدر خمسين آية{[3303]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا موسى بن داود ، حدثنا ابن لَهِيعة ، عن سالم بن غيلان ، عن سليمان{[3304]} بن أبي عثمان ، عن عَديّ بن حاتم الحمصي ، عن أبي ذَرّ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تزال أمتي بخير ما عَجَّلوا الإفطار وأخَّروا السحور " {[3305]} . وقد ورد في أحاديث كثيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمَّاه الغَدَاء المبارك ، وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، والنسائي ، وابن ماجة من رواية حماد بن سلمة ، عن عاصم بن بهدلة ، عن زرّ بن حبيش ، عن حذيفة بن اليمان قال : تسحَّرْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان النهار إلا أن الشمس لم تطلع{[3306]} . وهو حديث تفرد به عاصم بن أبي النَّجُود ، قاله النسائي ، وحمله على أن المراد قربُ النهار ، كما قال تعالى : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } [ الطلاق : 2 ] أي : قاربن انقضاء العدة ، فإما إمساك{[3307]} أو تَرْك للفرَاق . وهذا الذي قاله هو المتعيَّن حملُ الحديث عليه : أنهم تسحروا ولم يتيقنوا طلوع الفجر ، حتى أن بعضهم ظن طلوعه وبعضهم لم يتحقق ذلك . وقد رُوي عن طائفة كثيرة من السلف أنَّهم تسامحوا {[3308]} في السحور عند مقاربة الفجر . روي مثل هذا عن أبي بكر ، وعمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وحذيفة ، وأبي هريرة ، وابن عمر ، وابن عباس ، وزيد بن ثابت وعن طائفة كثيرة من التابعين ، منهم : محمد بن علي بن الحسين ، وأبو مِجْلز ، وإبراهيم النَّخَعَي ، وأبو الضُّحَى ، وأبو وائل ، وغيره{[3309]} من أصحاب ابن مسعود وعطاء ، والحسن ، والحكم بن عيينة{[3310]} ومجاهد ، وعروة بن الزبير ، وأبو الشعثاء جابر بن زيد . وإليه ذهب الأعمش معمر{[3311]} بن راشد . وقد حررنا أسانيد ذلك في كتاب الصيام المفرد ، ولله الحمد .

وحكى أبو جَعفر بن جرير في تفسيره ، عن بعضهم : أنَّه إنما يجب الإمساك من طلوع الشمس كما يجوز الإفطار بغروبها .

قلت : وهذا القول ما أظنّ أحدًا من أهل العلم يستقر له قَدَم عليه ، لمخالفته نصّ القرآن في قوله : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } وقد وَرَدَ في الصحيحين من حديث القاسم ، عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يمنعكم{[3312]} أذانُ بلال عن سَحُوركم ، فإنه ينادي بليل ، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر " . لفظ البخاري{[3313]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا موسى بن داود ، حدثنا محمد بن جابر ، عن قيس بن طَلْق ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس الفجرُ المستطيل في الأفق ولكنه المعترض الأحمر " {[3314]} . ورواه أبو داود ، والترمذي ولفظهما : " كلوا واشربوا ولا يَهِيدَنَّكُمْ الساطع المصعد ، فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر " {[3315]} .

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا شعبة ، عن شيخ من بني قشير : سمعت سَمُرة بن جُنْدَب يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يغرنكم نداء بلال وهذا البياض حتى ينفجر الفجر ، أو يطلع الفجر " .

ثم رواه من حديث شعبة وغيره ، عن سوادة بن حنظلة ، عن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يمنعكم من سَحُوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل ، ولكن الفجر المستطير في الأفق " {[3316]} .

قال : وحدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن عُلَية ، عن عبد الله بن سَوادة القُشَيري ، عن أبيه ، عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا البياض ، تعمدوا الصبح حين يستطير " {[3317]} .

ورواه مسلم في صحيحه عن زهير بن حرب ، عن إسماعيل بن إبراهيم - يعني{[3318]} ابن علية - مثله سواء{[3319]} .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن حمَيد ، حدثنا ابن المبارك ، عن سُلَيمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يمنعَنّ أحدكم أذان بلال عن سحوره - أو قال نداء بلال - فإن بلالا يؤذن - أو [ قال ]{[3320]} ينادي - لينبه نائمكم وليَرْجع قائمكم ، وليس الفجر أن يقول هكذا أوهكذا ، حتى يقول هكذا " .

ورواه من وجه آخر عن التيمي ، به{[3321]} .

وحدثني الحسن بن الزبرقان النخعي ، حدثنا أبو أسامة عن محمد بن أبي ذئْب ، عن الحارث بن عبد الرحمن ، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الفجر فجران ، فالذي كأنه ذنب السرحان لا يُحَرِّم شيئًا ، وأما المستطير الذي يأخذ الأفق ، فإنه يحل الصلاة ويحرّم الطعام " {[3322]} . وهذا مرسل جيد .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء قال : سمعت ابن عباس يقول : هما فجران ، فأما الذي يسطع في السماء فليس يُحِلّ ولا يحرِّم شيئا ، ولكن الفجر الذي يستبين{[3323]} على رؤوس الجبال ، هو الذي يحرّم الشراب . قال عطاء : فأما إذا سطع سطوعًا في السماء ، وسطوعه أن يذهب في السماء طولا فإنه لا يحرم به شراب لصيام ولا صلاة ، ولا يفوت به حج{[3324]} ولكن إذا انتشر على رؤوس الجبال ، حرم الشراب للصيام وفات الحج .

وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس وعطاء ، وهكذا رُوي عن غير واحد من السلف ، رحمهم الله .

مسألة : ومِن جَعْله تعالى الفجرَ غاية لإباحة الجماع والطعام والشراب لمن أراد الصيام ، يُسْتَدَلّ على أنه من أصبح جُنُبًا فليغتسل ، وليتم صومه ، ولا حرج عليه . وهذا مذهب الأئمة الأربعة وجمهور العلماء سلفًا وخلفًا ، لما رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة وأم سلمة ، رضي الله عنهما ، أنهما قالتا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جُنُبًا من جماع غير احتلام ، ثم يغتسل ويصوم{[3325]} . وفي حديث أم سلمة عندهما : ثم لا يفطر ولا يقضي . وفي صحيح مسلم ، عن عائشة : أن رجلا قال : يا رسول الله ، تُدْركني الصلاة وأنا جنب ، فأصوم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب ، فأصوم " . فقال : لست مثلنا - يا رسول الله - قد غفرَ اللهُ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر . فقال : " والله إني لأرجو أن أكونَ أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي " {[3326]} . فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد :

حدثنا عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن همام ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا نودي للصلاة - صلاة الصبح - وأحدكم جنب فلا يصم يومئذ " {[3327]} فإنه حديث جيد الإسناد على شرط الشيخين ، كما ترى{[3328]} وهو في الصحيحين عن أبي هريرة ، عن الفضل بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم{[3329]} وفي سنن النسائي{[3330]} عنه ، عن أسامة بن زيد ، والفضل بن عباس ولم يرفعه{[3331]} . فمن العلماء من علَّل هذا الحديث بهذا ، ومنهم من ذهب إليه ، ويُحْكى هذا عن أبي هريرة ، وسالم ، وعطاء ، وهشام بن عروة ، والحسن البصري . ومنهم من ذهب إلى التفرقة بين أن يصبح جنبًا نائمًا فلا عليه ، لحديث عائشة وأم سلمة ، أو مختارًا فلا صومَ له ، لحديث أبي هريرة . يحكى{[3332]} هذا عن عُروة ، وطاوس ، والحسن . ومنهم من فرق بين الفرض فيتمه ويقضيه وأما النَّفْل فلا يضره . رواه الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم النخَعي . وهو رواية عن الحسن البصري أيضًا ، ومنهم من ادعى نسخ حديث أبي هريرة بحديثي عائشة وأم سلمة ، ولكن لا تاريخ معه .

وادعى ابن حزم أنه منسوخ بهذه الآية الكريمة ، وهو بعيد أيضًا ، وأبعد ؛ إذ لا تاريخ ، بل الظاهر من التاريخ خلافه . ومنهم من حمل حديث أبي هريرة على نفي الكمال " فلا صوم له " لحديث عائشة وأم سلمة الدالين على الجواز . وهذا المسلك أقرب الأقوال وأجمعها ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } يقتضي الإفطار عند غُرُوب الشمس حكمًا شرعيًا ، كما جاء في الصحيحين ، عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا ، فقد أفطر الصائم " {[3333]} .

وعن سهل بن سعد الساعدي ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " أخرجاه أيضًا{[3334]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا الأوزاعي ، حدثنا قُرّة بن عبد الرحمن ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " يقول الله ، عز وجل : إن أحبّ عبادي إلي أعجلُهم فِطْرًا " .

ورواه الترمذي من غير وجه ، عن الأوزاعي ، به{[3335]} . وقال : هذا حديث حسن غريب .

وقال أحمد أيضًا : حدثنا عفان ، حدثنا عبيد الله{[3336]} بن إياد ، سمعت إياد بن لقيط قال : سمعت ليلى امرأة بَشِير بن الخَصَاصِيَّة ، قالت : أردت أن أصومَ يومين مواصلة ، فمنعني بشير وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه . وقال : " يفعل ذلك النصارى ، ولكنْ صُوموا كما أمركم الله ، وأتموا الصيامَ إلى الليل ، فإذا كان الليل فأفطروا " {[3337]} .

[ وروى الحافظ ابن عساكر ، حدثنا بكر بن سهل ، حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا يحيى بن حمزة ، عن ثور بن يزيد ، عن علي بن أبي طلحة ، عن عبد الملك بن أبي ذر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واصل يومين وليلة ؛ فأتاه جبريل فقال : إن الله قد قبل وصالك ، ولا يحل لأحدٍ بعدك ، وذلك بأن الله قال : { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } فلا صيام بعد الليل ، وأمرني بالوتر قبل الفجر ، وهذا إسناد لا بأس به ، أورده في ترجمة عبد الملك بن أبي ذر في تاريخه ]{[3338]} {[3339]} .

ولهذا ورد في الأحاديث الصحيحة النهي عن الوصال ، وهو أن يصل صوم يوم بيوم آخر ، ولا يأكل بينهما شيئًا . قال الإمام أحمد :

حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا مَعْمَر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تواصلوا " . قالوا : يا رسول الله ، إنك تواصل . قال : " فإني لست مثلكم ، إني أبِيتُ يُطْعمني ربي ويسقيني " . قال : فلم ينتهوا عن الوصال ، فواصل بهم النبي صلى الله عليه وسلم يومين وليلتين ، ثم رأوا الهلال ، فقال : " لو تأخر الهلال لزدتكم " كالمُنكِّل بهم{[3340]} .

وأخرجاه في الصحيحين ، من حديث الزهري به{[3341]} . وكذلك أخرجا النهى عن الوصال من حديث أنس وابن عمر{[3342]} .

وعن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال ، رحمة لهم ، فقالوا : إنك تواصل . قال : " إني لست كهيئتكم ، إني يطعمني ربي ويسقيني " {[3343]} .

فقد ثبت النهي عنه من غير وجه ، وثبت أنه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه كان يقوى على ذلك ويعان ، والأظهر أن ذلك الطعام والشراب في حقه إنما كان معنويًا لا حسيًا ، وإلا فلا يكون مواصلا مع الحسي ، ولكن كما قال الشاعر :

لها أحاديثُ من ذكراك تَشْغَلها *** عن الشراب وتُلْهيها عَن الزادِ

وأما من أحبّ أن يُمْسك بعد غروب الشمس إلى وقت السحر فله ذلك ، كما في حديث أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تواصلوا ، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر " . قالوا : فإنك تواصِل يا رسول الله . قال : " إني{[3344]} لست كهيئتكم ، إني أبيت لي مُطْعِم يطعمني ، وساق يسقيني " . أخرجاه في الصحيحين أيضًا{[3345]} .

وقال ابن جرير : حدثنا أبو كُريْب ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا أبو إسرائيل العَبْسي{[3346]} عن أبي بكر ابن حفص ، عن أمّ ولد حاطب بن أبي بَلْتعة : أنها مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر ، فدعاها إلى الطعام . فقالت : إني صائمة . قال : وكيف تصومين ؟ فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " أين أنت من وصال آل محمد ، من السَّحَر إلى السَّحَر " {[3347]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا إسرائيل ، عن عبد الأعلى ، عن محمد بن علي ، عن علي : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواصل من السَّحَر إلى السَّحَر{[3348]} .

وقد روى ابن جرير ، عن عبد الله بن الزّبير وغيره من السلف ، أنهم كانوا يواصلون الأيام المتعددة [ وقد روى ابن جرير عن عبد الله بن الزبير وغيره من السلف ]{[3349]} وحمله منهم على أنهم كانُوا يفعلون ذلك رياضة لأنفسهم ، لا أنهم كانوا يفعلونه عبادة . والله أعلم . ويحتمل أنهم كانوا يفهمون من النهي أنه إرْشَاد ، [ أي ]{[3350]} من باب الشفقة ، كما جاء في حديث عائشة : " رحمة لهم " ، فكان ابن الزبير وابنُه عامر ومن سلك سبيلهم يتجشمون ذلك ويفعلونه ، لأنهم كانوا يجدون قُوة عليه . وقد ذُكرَ عنهم أنهم كانوا أول ما يفطرون على السمن والصَّبِر لئلا تتخرق الأمعاء بالطعام أولا . وقد رُوي عن ابن الزبير أنَّه كان يواصل سبعة أيام ويصبح في اليوم السابع أقواهم وأجلدهم . وقال أبو العالية : إنما فرض الله الصيام بالنهار فإذا جاء بالليل فمن شاء أكل ومن شاء لم يأكل .

وقوله تعالى : { وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : هذا في الرجل يعتكف في المسجد في رمضان أو في غير رمضان ، فحرّم الله عليه أن ينكح النساء ليلا ونهارا{[3351]} حتى يقضي اعتكافه .

وقال الضحاك : كان الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد ، جامع إن شاء ، فقال الله تعالى : { وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } أي : لا تقربوهن ما دمتم عاكفين في المسجد{[3352]} ولا في غيره . وكذا قال مجاهد ، وقتادة وغير واحد إنهم كانوا يفعلون ذلك حتى نزلت هذه الآية .

قال ابن أبي حاتم : وروي عن ابن مسعود ، ومحمد بن كعب ، ومجاهد ، وعطاء ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك والسُّدِّي ، والربيع بن أنس ، ومقاتل ، قالوا : لا يقربها وهو معتكف . وهذا الذي حكاه عن هؤلاء هو الأمر المتفق عليه عند العلماء : أن المعتكف يحرمُ عليه النساءُ ما دامَ معتكفًا في مسجده ، ولو ذهب إلى منزله لحاجة لا بد له منها فلا يحل له أن يتلبَّث{[3353]} فيه إلا بمقدار ما يفرغ من حاجته تلك ، من قضاء الغائط ، أو أكل ، وليس له أن يقبل امرأته ، ولا يضمها إليه ، ولا يشتغل بشيء سوى اعتكافه ، ولا يعود المريض ، لكن يسأل عنه وهو مار في طريقه .

وللاعتكاف أحكام مفصلة في بابه ، منها ما هو مجمع عليه بين العلماء ، ومنها ما هو مختلف فيه{[3354]} . وقد ذكرنا قِطْعَة صالحة من ذلك في آخر كتاب الصيام ، ولله الحمد{[3355]} .

ولهذا كان الفقهاء المصنفون يُتْبِعون كتاب الصيام بكتاب الاعتكاف ، اقتداء بالقرآن العظيم ، فإنه نبه على ذكر الاعتكاف بعد ذكر الصوم . وفي ذكره تعالى الاعتكاف بعد الصيام إرشاد وتنبيه على الاعتكاف في الصيام ، أو في آخر{[3356]} شهر الصيام ، كما ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه كان يعتكف العشرَ الأواخر من شهر رمضان ، حتى توفاه الله ، عز وجل . ثم اعتكف أزواجُه من بعده . أخرجاه من حديث عائشة أم المؤمنين ، رضي الله عنها{[3357]} ، وفي الصحيحين أن صَفيَّة بنت حُيي كانت {[3358]} تزور النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف في المسجد ، فتحدثت عنده ساعة ، ثم قامت لترجع إلى منزلها - وكان ذلك ليلا - فقام النبي صلى الله عليه وسلم ليمشي معها حتى تبلغ دارها ، وكان منزلها في دار أسامة بن زيد في جانب المدينة ، فلما كان ببعض الطريق لقيه رجلان من الأنصار ، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا - وفي رواية : تواريا - أي حياء من النبي صلى الله عليه وسلم لكون أهله معه{[3359]} ، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم : " على رِسْلكما إنها صفية بنت حيي " أي : لا تسرعا ، واعلما أنها صفية بنت حيي ، أي : زوجتي . فقالا سبحان الله يا رسول الله ، فقال عليه الصلاة والسلام : " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا " أو قال : " شرًّا " {[3360]} .

قال الشافعي ، رحمه الله : أراد ، عليه السلام ، أنْ يعلم أمّته التبري من التُّهْمَة في محلها ، لئلا يقعا في محذور ، وهما كانا أتقى لله أن يظنا بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئًا . والله أعلم .

ثم المراد بالمباشرة : إنما هو الجماع ودواعيه من تقبيل ، ومعانقة ونحو ذلك ، فأما معاطاة الشيء ونحوه فلا بأس به ؛ فقد ثبت في الصحيحين ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، أنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُدْني إليّ رأسه فأرجِّلُه وأنا حائض ، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان . قالت عائشة : ولقد كان المريضُ يكون في البيت فما أسأل عنه إلا وأنا مارة{[3361]} .

وقوله : { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ } أي : هذا الذي بيناه ، وفرضناه ، وحددناه من الصيام ، وأحكامه ، وما أبحنا فيه وما حرّمنا ، وذِكْر{[3362]} غاياته ورخصه وعزائمه ، حدود الله ، أي : شرعها الله وبيَّنها بنفسه { فَلا تَقْرَبُوهَا } أي : لا تجاوزوها ، وتعتدوها{[3363]} .

وكان الضحاك ومقاتل يقولان في قوله تعالى : { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ } أي : المباشرة في الاعتكاف .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : يعني هذه الحدود الأربعة ، ويقرأ{[3364]} { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } حتى بلغ : { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } قال : وكان أبي وغيره من مَشْيَختنا{[3365]} يقولون هذا ويتلونه علينا .

{ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ } أي : كما بين الصيام وأحكامه وشرائعه وتفاصيله ، كذلك يبين سائر الأحكام على لسان عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم { لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي : يَعْرفون كيف يهتدون ، وكيف يطيعون كما قال تعالى : { هُوَ الَّذِي يُنزلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } ] {[3366]} . [ الحديد : 9 ] .


[3270]:في أ: "كما قال".
[3271]:في جـ: "بن يسار".
[3272]:هو النابغة الجعدي، والبيت في تفسير الطبري (3/490).
[3273]:في و: "قيس بن أبي صرمة".
[3274]:هذا اللفظ رواه الطبري في تفسيره (3/495).
[3275]:صحيح البخاري برقم (4508).
[3276]:في جـ: "حرم الله عليهم".
[3277]:في جـ: "سعد بن قيس".
[3278]:في جـ: "في قوله تعالى".
[3279]:في جـ: "فأخبراه".
[3280]:في جـ: "البارحة أهلي".
[3281]:رواه ابن مردويه في تفسيره من طريق عمرو بن عون، عن هشيم به. قال الحافظ ابن كثير في "مسند الفاروق" (2/566): "هذا إسناد جيد وابن أبي ليلى مختلف في سماعه من عمر، ولكن قد روي من وجه آخر عن ابن أبي ليلى عن معاذ بن جبل أن عمر فعل مثل هذا". ورواه الطبري في تفسيره (3/493) من طريق شعبة عن عمرو بن مرة به.
[3282]:زيادة من جـ، أ، و.
[3283]:تفسير الطبري (3/496).
[3284]:في جـ: "قال الزهري عن ابن عباس".
[3285]:في أ: "عيينة"، وفي و: "عتيبة".
[3286]:صحيح البخاري برقم (4511).
[3287]:في جـ: "فلما يتبين".
[3288]:في جـ: "من سواد".
[3289]:المسند (4/377).
[3290]:صحيح البخاري برقم (1916، 4509) وصحيح مسلم برقم (1090).
[3291]:في أ، و: "فلم يستبينا".
[3292]:صحيح البخاري برقم (4509).
[3293]:في جـ: "بل هما".
[3294]:صحيح البخاري برقم (4510).
[3295]:زيادة من جـ.
[3296]:صحيح البخاري برقم (1923) وصحيح مسلم برقم (1095).
[3297]:في أ: "إن أفضل".
[3298]:في أ: "السحور".
[3299]:صحيح مسلم برقم (1096).
[3300]:في جـ: "بن إسحاق".
[3301]:المسند (3/44).
[3302]:في أ: "تشبيها".
[3303]:صحيح البخاري برقم (1921) وصحيح مسلم برقم (1097).
[3304]:في جـ: "عن سلمان".
[3305]:المسند (5/172).
[3306]:المسند (5/396) وسنن النسائي (4/142) وسنن ابن ماجة برقم (1695).
[3307]:في جـ: "إمساك بمعروف".
[3308]:في أ: "أنهم سامحوا".
[3309]:في أ: "وغيرهما".
[3310]:في جـ: "ابن قتيبة"، وفي و: "ابن عتيبة".
[3311]:في جـ، أ: "ومعمر".
[3312]:في و: "لا يمنعنكم".
[3313]:صحيح البخاري برقم (1918، 622) وصحيح مسلم برقم (1092) وقوله: "لا يمنعنكم أذان بلال عن سحوركم" لم يقع في البخاري من حديث عائشة وإنما من حديث عبد الله بن مسعود، هذا ما ظهر لي بعد البحث، والله أعلم.
[3314]:المسند (4/23).
[3315]:سنن أبي داود برقم (2348) وسنن الترمذي برقم (705).
[3316]:هذا الحديث لم أجده في تفسير الطبري المطبوع.
[3317]:في أ، و: "لعمود الصبح حتى يستطير".
[3318]:في و: "هو".
[3319]:صحيح مسلم برقم (1094).
[3320]:زيادة من و.
[3321]:لم أجد هذا الحديث في المطبوع من تفسير الطبري ورواه البخاري في صحيحه برقم (621، 5298) ومسلم في صحيحه برقم (1093) من طريق أبي عثمان النهدي به.
[3322]:تفسير الطبري (3/514).
[3323]:في أ: "حتى يستنير".
[3324]:في أ: "به الحج".
[3325]:صحيح البخاري برقم (1925، 1926) وصحيح مسلم برقم (1109).
[3326]:صحيح مسلم برقم (1109).
[3327]:المسند (2/314).
[3328]:في جـ: "كما ترى على شرط الشيخين".
[3329]:صحيح البخاري برقم (1925) وصحيح مسلم برقم (1109).
[3330]:في أ: "وفي سنن أبي داود والنسائي".
[3331]:سنن النسائي الكبرى برقم (2933، 2934).
[3332]:في جـ: "ويحكي".
[3333]:صحيح البخاري برقم (1954) وصحيح مسلم برقم (1100).
[3334]:صحيح البخاري برقم (1957) وصحيح مسلم برقم (1098).
[3335]:المسند (2/238) وسنن الترمذي برقم (700، 701).
[3336]:في أ: "عبد الله".
[3337]:المسند (5/225).
[3338]:زيادة من جـ أ، و.
[3339]:انظر: مختصر تاريخ دمشق لابن منظور (15/192).
[3340]:في جـ: "لهم".
[3341]:صحيح البخاري برقم (6851) وصحيح مسلم برقم (1105).
[3342]:حديث أنس في صحيح البخاري برقم (1961) وفي صحيح مسلم برقم (1104)، وحديث ابن عمر في صحيح البخاري برقم (1962) وفي صحيح مسلم برقم (1102).
[3343]:صحيح البخاري برقم (1964) وصحيح مسلم برقم (1105).
[3344]:في جـ: "فإني".
[3345]:صحيح البخاري برقم (1963) ولم أقع عليه في صحيح مسلم.
[3346]:في أ: "القيسي".
[3347]:تفسير الطبري (3/537، 538).
[3348]:المسند (1/91، 141).
[3349]:زيادة من جـ.
[3350]:زيادة من جـ.
[3351]:في جـ، أ: "أو نهارا".
[3352]:في أ: "في المساجد".
[3353]:في جـ: "أن يمكث".
[3354]:في أ: "فيها".
[3355]:في جـ: "ولله الحمد والمنة".
[3356]:في أ، و: "أو في أواخر".
[3357]:صحيح البخاري برقم (2033) وصحيح مسلم برقم (1172) واللفظ لمسلم.
[3358]:في جـ، أ: "جاءت".
[3359]:في جـ: "معه أهله".
[3360]:صحيح البخاري برقم (2035، 6219) وصحيح مسلم برقم (2175) من حديث صفية رضي الله عنها.
[3361]:صحيح البخاري برقم (2029) وصحيح مسلم برقم (297).
[3362]:في جـ: "وذكرنا".
[3363]:في جـ: "تتجاوزوها أو تعتدوها".
[3364]:في جـ: "ويقول".
[3365]:في أ: "من مشايخنا".
[3366]:زيادة من و، وفي جـ، ط، أ، هـ: "الآية".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أُحِلَّ لَكُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمۡۚ هُنَّ لِبَاسٞ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسٞ لَّهُنَّۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَخۡتَانُونَ أَنفُسَكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡ وَعَفَا عَنكُمۡۖ فَٱلۡـَٰٔنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبۡتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ وَلَا تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَٰكِفُونَ فِي ٱلۡمَسَٰجِدِۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ} (187)

{ أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } روي أن المسلمين كانوا إذا أمسوا حل لهم الأكل والشرب والجماع إلى أن يصلوا العشاء الآخرة أو يرقدوا ، ثم : إن عمر رضي الله عنه باشر بعد العشاء فندم وأتى النبي صلى الله عليه وسلم واعتذر إليه فقام رجال واعترفوا بما صنعوا بعد العشاء فنزلت وليلة الصيام : الليلة التي تصبح منها صائما ، والرفث : كناية عن الجماع ، لأنه لا يكاد يخلو من رفث وهو الإفصاح بما يجب أن يكنى عنه ، وعدي بإلى لتضمنه معنى الإفضاء ، وإيثاره ههنا لتقبيح ما ارتكبوه ولذلك سماه خيانة . وقرئ الرفوث { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } استئناف يبين سبب الإحلال وهو قلة الصبر عنهن ، وصعوبة اجتنابهن لكثرة المخالطة وشدة الملابسة ، ولما كان الرجل والمرأة يعتنقان ويشتمل كل منهما على صاحبه شبه باللباس قال الجعدي :

إذا ما الضجيع ثنى عطفها *** تثنت فكانت عليه لباسا

أو لأن كل واحد منهما يستر حال صاحبه ويمنعه من الفجور . { علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم } تظلمونها بتعريضها للعقاب ، وتنقيص حظها من الثواب ، والاختيان أبلغ من الخيانة كالاكتساب من الكسب . { فتاب عليكم } لما تبتم مما اقترفتموه . { وعفا عنكم } ومحا عنكم أثره . { فالآن باشروهن } لما نسخ عنكم التحريم وفيه دليل على جواز نسخ السنة بالقرآن ، والمباشرة : إلزاق البشرة كني به عن الجماع . { وابتغوا ما كتب الله لكم } واطلبوا ما قدره لكم وأثبته في اللوح المحفوظ من الولد ، والمعنى أن المباشر ينبغي أن يكون غرضه الولد فإنه الحكمة من خلق الشهوة ، وشرع النكاح لإقضاء الوطر ، وقيل النهي عن العزل ، وقيل عن غير المأتي . والتقدير وابتغوا المحل الذي كتب الله لكم . { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } شبه أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق وما يمتد معه من غبش الليل ، بخيطين أبيض وأسود ، واكتفى ببيان الخيط الأبيض بقوله { من الفجر } عن بيان { الخيط الأسود } ، لدلالته عليه . وبذلك خرجا عن الاستعارة إلى التمثيل . ويجوز أن تكون من للتبعيض ، فإن ما يبدو بعض الفجر . وما روي أنها نزلت ولم ينزل من الفجر ، فعمد رجال إلى خيطين أسود وأبيض ولا يزالون يأكلون ويشربون حتى يتبينا لهم فنزلت ، إن صح فلعله كان قبل دخول رمضان وتأخير البيان إلى وقت الحاجة جائزة ، أو أكتفي أولا باشتهارهما في ذلك ثم صرح بالبيان لما التبس على بعضهم وفي تجويز المباشرة إلى الصبح الدلالة على جواز تأخير الغسل إليه وصحة صوم المصبح جنبا { ثم أتموا الصيام إلى الليل } بيان لآخر وقته ، وإخراج الليل عنه فينفي صوم الوصال { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } معتكفون فيها والاعتكاف هو اللبث في المسجد بقصد القربة . والمراد بالمباشرة : الوطء . وعن قتادة كان الرجل يعتكف فيخرج إلى امرأته فيباشرها ثم يرجع فنهوا عن ذلك . وفيه دليل على أن الاعتكاف يكون في المسجد ولا يختص بمسجد دون مسجد . وأن الوطء يحرم فيه ويفسده لأن النهي في العبادات يوجب الفساد { تلك حدود الله } أي الأحكام التي ذكرت . { فلا تقربوها } نهى أن يقرب الحد الحاجز بين الحق والباطل لئلا يداني الباطل ، فضلا عن أن يتخطى عنه . كما قال عليه الصلاة والسلام : " إن لكل ملك حمى وإن حمى الله محارمه فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه " وهو أبلغ من قوله { فلا تعتدوها } ، ويجوز أن يريد ب{ حدود الله } محارمه ومناهيه . { كذلك } مثل ذلك التبيين { يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون } مخالفة الأوامر والنواهي .