جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{أُحِلَّ لَكُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمۡۚ هُنَّ لِبَاسٞ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسٞ لَّهُنَّۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَخۡتَانُونَ أَنفُسَكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡ وَعَفَا عَنكُمۡۖ فَٱلۡـَٰٔنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبۡتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ وَلَا تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَٰكِفُونَ فِي ٱلۡمَسَٰجِدِۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ} (187)

{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ } : ليلة الصيام التي تصبح منها صائما والرفث عبارة عن الجماع ، وعدى بإلى لتضمنه معنى الإفضاء ، كان في بدء الإسلام غير جائز ، { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ } ، أي : سكن ، وشبه باللباس لاشتمال كل على صاحبه اشتمال اللباس على اللابس ، { وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ } ، سكن ، أي : لما كان بينكم غاية الخلطة رخصنا لكم لئلا يشق {[317]} عليكم ، { عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ } : تظلمونها بما هو حرام عليكم ؛ ووقع ذلك {[318]} على عمر رضي الله عنه فقال : يا رسول الله أشكو إلى الله وإليك الذي صنعت فنزلت ، { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } : لما تبتم ، { وَعَفَا عَنكُمْ } ، محا عنكم أثره ، { فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ } ، والمباشرة كناية عن الجماع ، { وَابْتَغُواْ {[319]} } : اطلبوا ، { مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ } : ما أثبته في اللوح المحفوظ من الولد أو ليلة {[320]} القدر أو الرخصة التي كتب الله لكم وما أحل الله لكم ، { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ } ، جمع الليل ، { حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ } ، بياض الصبح ، { مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ } : من سواد الليل ، { مِنَ الْفَجْرِ } ، بيان للخيط الأبيض ، { ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ } ، فإنه آخر وقته ، كان الأكل والشرب بعد العشاء ، أو النوم حراماً فبعض الصحابة نام عن فطره فلما انتصف النهار غشى عليه فنزلت ، { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } ، كان إذا اعتكف الرجل فخرج من المسجد جامع إن شاء ورجع ، فأنزل الله تعالى النهي عن المباشرة ما داموا عاكفين فيها ، { تِلْكَ } ، أي : الأحكام المذكورات {[321]} ، { حُدُودُ اللّهِ } ، أي : ذوات حدود الله ، { فَلاَ تَقْرَبُوهَا {[322]} } ، نهى أن يقرب الحد الحاجز بين الحق والباطل ، لئلا تداني الباطل فضلا أن يتخطى ، أو المراد من الحدود المحارم ، وتكون تلك إِشارة إلا لا تباشروهن ، أي هذا وأمثاله محارم ، { كَذَلِكَ } : مثل هذا التبيين ، { يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } : مخالفة الأمر .


[317]:والله لا يريد بكم العسر عن ابن عباس هن فراش وأنتم لحاف/12 منه
[318]:روى عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة وغيرهم أن الآية في عمر بن الخطاب كما نقلناه/12 منه، زاد في الوجيز ثم قام رجل بعد اعترافه واعترفوا فأنزل الله فحسن موقع "أنكم كنتم تختانون"/12 منه [حسن سنده السيوطي في الدر المنثور (1/357) وعزاه إلى إحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن كعب بن مالك]
[319]:وفيه إشارة إلى أن المقصود الأصلي من المباشرة تحصيل الولد/12 وجيز
[320]:رواه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس، وقال الزمخشري هو قريب من بدع التفاسير/12 منه
[321]:من باشروا وابتغوا، أو كلوا واشربوا كلها للإباحة وأتموا للإيجاب ولا تباشروا للتحريم/12 وجيز
[322]:وأما الاستدلال بالآية في جواز النية في صوم رمضان بعد ظهور الصبح فليس ببعيد مع مجال البحث لكنه خلاف الإجماع عملاً بالسنة/12 وجيز