قال الله : [ عز وجل ]{[19696]} { يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ } قال : لم{[19697]} يبق نار في الأرض إلا طفئت .
وقال كعب الأحبار : لم ينتفع [ أحد ]{[19698]} يومئذ بنار ، ولم تحرق النار من إبراهيم سوى وثاقه .
وقال الثوري ، عن الأعمش ، عن شيخ ، عن علي بن أبي طالب : { قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ } [ قال : بَرَدَتْ عليه حتى كادت تقتله ، حتى قيل : { وَسَلامًا } ] {[19699]} ، قال : لا تضرِّيه .
وقال ابن عباس ، وأبو العالية : لولا أن الله عز وجل قال : { وَسَلامًا } لآذى إبراهيم بَرْدُها .
وقال جُوَيبر ، عن الضحاك : { كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ } قال : صنعوا له حظيرة من حَطَب جَزْل ، وأشعلوا فيه النار من كل جانب ، فأصبح ولم يصِبه منها شيء حتى أخمدها الله - قال : ويذكرون أن جبريل كان معه يمسح وجهه من العرق ، فلم يُصِبْه منها شيء غيرُ ذلك .
وقال السدي : كان معه فيها ملك الظل .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا مِهْران ، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن المِنْهَال بن عمرو قال : أخبرت أن إبراهيم ألقي في النار ، فقال : كان{[19700]} فيها إما خمسين وإما أربعين ، قال : ما كنت أيامًا وليالي قط أطيب عيشًا إذ كنت فيها ، وددت أن عيشي وحياتي كلها مثل عيشي إذ كنت فيها .
وقال أبو زُرْعَة بن عمرو بن جرير ، عن أبي هريرة قال : إن أحسن [ شيء ]{[19701]} قال أبو إبراهيم - لما رفع عنه الطبق وهو في النار ، وجده يرش جبينه - قال عند ذلك : نعْمَ الربّ ربك يا إبراهيم .
وقال قتادة : لم يأت يومئذ دابة إلا أطفأت عنه النار ، إلا الوَزَغ - وقال الزهري : أمر النبي صلى الله عليه وسلم : بقتله وسماه فويسقًا{[19702]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب ، حدثني عمي ، حدثنا جرير بن حازم ، أن نافعًا حدثه قال : حدثتني مولاة{[19703]} الفاكه بن المغيرة المخزومي قالت : دخلت على عائشة فرأيت في بيتها رمحا . فقلت : يا أم المؤمنين ، ما تصنعين بهذا الرمح ؟ فقالت : نقتل به هذه الأوزاغ ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن إبراهيم حين ألقي في النار ، لم يكن{[19704]} في الأرض دابة إلا تطفئ النار ، غير الوَزَغ ، فإنه كان ينفخ على إبراهيم " ، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله{[19705]} .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قلنا يا نار كوني بردا} من الحر {وسلاما على إبراهيم}، يقول: وسلميه من البرد.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله:"قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْدا وَسَلاما عَلى إبْرَاهِيمَ"، في الكلام متروك اجتزئ بدلالة ما ذكر عليه منه، وهو: فأوقدوا له نارا ليحرّقوه ثم ألقوه فيها، فقلنا للنار: يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
جائز أن يكون قوله: {يا نار كوني بردا وسلاما} أي جعلها في الخلقة بردا وسلاما على إبراهيم خاصة. وأما على غيره فهي على ما هي في طبعها من الإحراق والحر، فيكون ذلك من أعظم آيات رسالة إبراهيم ونبوته، أو أن يكون على الوحي والإلهام على ما قاله أهل التأويل: إنه أوحى لها: أن {كوني بردا وسلاما على إبراهيم}. لكنه إن كان على هذا فجائز أن يجعل في سريتها ما تفهم أمره، ويمكن فيها ما تفطن ذلك، فلم تحرقه...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ولم يكن هناك أمر على الحقيقة. والمعنى أنه فعل ذلك، كما قال "كونوا قردة خاسئين "أي صيرهم كذلك من غير أن أمرهم بذلك.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
لو عَصَمَه من نار نمرود ولم يمكنه مِنْ رَمْيه في النار من المنجنيق لكان -في الظاهر- أقرب من النصر، ولكنَّ حِفْظَه في النار من غير أَنَّ يَمَسَّه أَلَمٌ أتمُّ في باب النصرة والمعجزة والكرامة.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
جعلت النار لمطاوعتها فعل الله وإرادته كمأمور أمر بشيء فامتثله. والمعنى: ذات برد وسلام، فبولغ في ذلك، كأن ذاتها برد وسلام. والمراد: ابردي فيسلم منك إبراهيم. أو ابردي برداً غير ضارّ...
فإن قلت: كيف بردت النار وهي نار؟ قلت: نزع الله عنها طبعها الذي طبعها عليه من الحرّ والإحراق، وأبقاها على الإضاءة والإشراق والاشتعال كما كانت، والله على كل شيء قدير. ويجوز أن يدفع بقدرته عن جسم إبراهيم عليه السلام أذى حرّها ويذيقه فيها عكس ذلك، كما يفعل بخزنة جهنم، ويدل عليه قوله: {على إبراهيم}.
السؤال الثالث: أفيجوز ما روي من أنه لو لم يقل وسلاما لأتى البرد عليه. والجواب: ذلك بعيد؛ لأن برد النار لم يحصل منها، وإنما حصل من جهة الله تعالى فهو القادر على الحر والبرد، فلا يجوز أن يقال: كان البرد يعظم لولا قوله سلاما.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
فأراد الله الذي له القوة جميعاً سلامته منها، فعبر عن ذلك بقوله سبحانه استئنافاً لجواب من زاد تشوفه إلى ما كان من أمره بعد الإلقاء فيها: {قلنا} أي بعظمتنا {يا نار كوني} بإرادتنا التي لا يتخلف عنها مراد {برداً}. ولما كان البرد قد يكون ضاراً قال: {وسلاماً} فكانت كذلك...
ولما كان المراد اختصاصه عليه السلام بهذا قيده به، ولما كان المراد حياته ولا بد، عبر بحرف الاستعلاء فقال: {على إبراهيم} أي فكان ما أردنا من سلامته...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(قالوا: حرقوه) ولكن كلمة أخرى قد قيلت.. فأبطلت كل قول، وأحبطت كل كيد. ذلك أنها الكلمة العليا التي لا ترد: (قلنا: يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم).. فكانت بردا وسلاما على إبراهيم.. كيف؟ ولماذا نسأل عن هذه وحدها. و (كوني) هذه هي الكلمة التي تكون بها أكوان، وتنشأ بها عوالم، وتخلق بها نواميس: (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له: كن فيكون). فلا نسأل: كيف لم تحرق النار إبراهيم، والمشهود المعروف أن النار تحرق الأجسام الحية؟ فالذي قال للنار: كوني حارقة هو الذي قال لها: كوني بردا وسلاما. وهي الكلمة الواحدة التي تنشئ مدلولها عند قولها كيفما كان هذا المدلول. مألوفا للبشر أو غير مألوف. إن الذين يقيسون أعمال الله سبحانه إلى أعمال البشر هم الذين يسألون: كيف كان هذا؟ وكيف أمكن أن يكون؟ فأما الذين يدركون اختلاف الطبيعتين، واختلاف الأداتين، فإنهم لا يسألون أصلا، ولا يحاولون أن يخلقوا تعليلا علميا أو غير علمي، فالمسألة ليست في هذا الميدان أصلا، ليست في ميدان التعليل والتحليل بموازين البشر ومقاييس البشر. وكل منهج في تصور مثل هذه المعجزات غير منهج الإحالة إلى القدرة المطلقة هو منهج فاسد من أساسه، لأن أعمال الله غير خاضعة لمقاييس البشر وعلمهم القليل المحدود. إن علينا فقط أن نؤمن بأن هذا قد كان، لأن صانعه يملك أن يكون. أما كيف صنع بالنار فإذا هي برد وسلام؟ وكيف صنع بإبراهيم فلا تحرقه النار.. فذلك ما سكت عنه النص القرآني لأنه لا سبيل إلى إدراكه بعقل البشر المحدود. وليس لنا سوى النص القرآني من دليل. وما كان تحويل النار بردا وسلاما على إبراهيم إلا مثلا تقع نظائره في صور شتى. ولكنها قد لا تهز المشاعر كما يهزها هذا المثل السافر الجاهر. فكم من ضيقات وكربات تحيط بالأشخاص والجماعات من شأنها أن تكون القاصمة القاضية، وإن هي إلا لفتة صغيرة، فإذا هي تحيي ولا تميت، وتنعش ولا تخمد، وتعود بالخير وهي الشر المستطير. إن (يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم) لتتكرر في حياة الأشخاص والجماعات والأمم؛ وفي حياة الأفكار والعقائد والدعوات. وإن هي إلا رمز للكلمة التي تبطل كل قول، وتحيط كل كيد، لأنها الكلمة العليا التي لا ترد!...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.