تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ثُمَّ ٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ كَرَّتَيۡنِ يَنقَلِبۡ إِلَيۡكَ ٱلۡبَصَرُ خَاسِئٗا وَهُوَ حَسِيرٞ} (4)

{ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ } المراد بذلك : كثرة التكرار { يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ } أي : عاجزًا عن أن يرى خللًا أو فطورًا ، ولو حرص غاية الحرص .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ثُمَّ ٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ كَرَّتَيۡنِ يَنقَلِبۡ إِلَيۡكَ ٱلۡبَصَرُ خَاسِئٗا وَهُوَ حَسِيرٞ} (4)

وقوله : { ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ } قال : مرتين . { يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا } قال ابن عباس : ذليلا ؟ وقال مجاهد ، وقتادة : صاغرًا .

{ وَهُوَ حَسِيرٌ } قال ابن عباس : يعني : وهو كليل . وقال مجاهد ، وقتادة ، والسدي : الحسير : المنقطع من الإعياء .

ومعنى الآية : إنك لو كررت البصر ، مهما كررت ، لانقلب إليك ، أي : لرجع إليك البصر ، { خَاسِئًا } عن أن يرى عيبًا أو خللا { وَهُوَ حَسِيرٌ } أي : كليل قد انقطع من الإعياء من كثرة التكرر ، ولا يرى نقصًا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ثُمَّ ٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ كَرَّتَيۡنِ يَنقَلِبۡ إِلَيۡكَ ٱلۡبَصَرُ خَاسِئٗا وَهُوَ حَسِيرٞ} (4)

وقوله : ثُمّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرّتَيْنِ ، يقول جلّ ثناؤه : ثم ردّ البصر يا ابن آدم كرّتين ، مرّة بعد أخرى ، فانظر هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ أو تفاوت ، يَنْقَلِبْ إلَيْكَ البَصَرُ خاسِئا يقول : يرجع إليك بصرك صاغرا مُبْعَدا من قولهم للكلب : اخسأ ، إذا طردوه أي ابعد صاغرا وَهُوَ حَسِيرٌ يقول : وهو مُعْيٍ كالّ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ثُمّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرّتَيْن يقول : هل ترى في السماء من خَللِ يَنْقَلِبْ إليكَ البَصَرُ خاسِئا وَهُوَ حَسِيرٌ بسواد الليل .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله خاسئا وَهُوَ حَسِيرٌ يقول : ذليلاً . . وقوله : وَهُوَ حَسِيرٌ يقول : مرجف .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يَنْقَلِبْ إلَيْكَ البَصَرُ خاسِئا أي حاسرا وَهُوَ حَسيرٌ أي مُعْيٍ .

حدثني ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله خاسِئا قال : صاغرا ، وَهُوَ حَسِيرٌ يقول : مُعْيٍ لم ير خَلَلاً ولا تفاوتا .

وقال بعضهم : الخاسىء والحسير واحد . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فارْجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ . . . الاَية ، قال : الخاسىء ، والخاسر واحد ، حَسَر طرفُه أن يَرى فيها فَطْرًا ، فرجع وهو حسير قبل أن يرى فيها فَطْرا ، قال : فإذا جاء يوم القيامة انفطرت ثم انشقت ، ثم جاء أمر أكبر من ذلك انكشطت .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ثُمَّ ٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ كَرَّتَيۡنِ يَنقَلِبۡ إِلَيۡكَ ٱلۡبَصَرُ خَاسِئٗا وَهُوَ حَسِيرٞ} (4)

وقال منذر بن سعيد : أمر الله تعالى بالنظر إلى السماء وخلقها ثم أمر بالتكرير في النظر ، وكذلك جميع المخلوقات متى نظرها ناظر ، ليرى فيها خللاً أو نقصاً ، فإن بصره ينقلب { خاسئاً } حسيراً ، ورجع البصر ترديده في الشيء المبصر .

وقوله : { كرتين } معناه مرتين ، ونصبه على المصدر ، والخاسئ المبعد بذل عن شيء أراده وحرص عليه ، ومنه الكلب الخاسئ ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن صياد : «اخسأ فلن تعد وقدرك »{[11204]} ، ومنه قوله تعالى للكفار الحريصين على الخروج من جهنم : { اخسؤوا فيها }{[11205]} [ المؤمنون : 108 ] ، وكذلك هنا البصر يحرص على رؤية فطور أو تفاوت فلا يجد ذلك ، فينقلب { خاسئاً } ، والحسير العييّ الكالّ ، ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]

لهن الوجا لم كن عوناً على النوى*** ولا زال منها طالح وحسير{[11206]}


[11204]:هذا جزء من حديث أخرجه البخاري في الجنائز والجهاد والقدر والأدب، وأخرجه كل من مسلم والترمذي في الفتن، وأبو داود في الملاحم، والدارمي في المقدمة، وأحمد في مسنده (1/380، 3/268، 4/170، 5/148)، ولفظه كما في مسند أحمد، عن عبد الله قال: كنا نمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم. فمر بابن صياد، فقال إني قد خبأت لك خبأ، قال ابن صياد: دخ، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اخسأ فلن تعدو قدرك)، فقال عمر: يا رسول الله دعنى أضرب عنقه، قال: (لا، إن يكن الذي نخاف فلن تستطيع قتله). قال العلماء: الدخ هو الدخان، ولم يكملها، وكان النبي عليه الصلاة والسلام قد أضمر له آية من سورة الدخان، وهي قوله تعالى: (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين).
[11205]:من الآية 108 من سورة المؤمنون.
[11206]:الوجى: الحفا، وقيل: يكون قبل الحفا، وقيل: بل هو أشد م الحفا، والنوى: البعد والفراق والانتقال إلى مكان بعيد، والظالع: الذي أصيب بالعرج من ألم في رجله، والحسير: الذي كل وتعب وأصبح عاجزا عن السير، يقال: حسرت الدابة والناقة حسرا:أعيت وكلت، وهو موضع الاستشهاد هنا، يطلب للنوق الوجى والظلع والإعياء لأنهن كن عونا على فراق الأحبة.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ثُمَّ ٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ كَرَّتَيۡنِ يَنقَلِبۡ إِلَيۡكَ ٱلۡبَصَرُ خَاسِئٗا وَهُوَ حَسِيرٞ} (4)

وعطْف { ثم ارجع البصر كرتين } دال على التراخي الرتبي كما هو شأن { ثم } في عطف الجمل ، فإن مضمون الجملة المعطوفة ب { ثم } هنا أهمّ وأدخل في الغرض من مضمون الجملة المعطوف عليها لأن إعادة النظر تزيد العلم بانتفاء التفاوت في الخَلق رسوخاً ويقيناً .

و { كرتين } تثنية كرَّة وهي المرة وعبر عنها هنا بالكَرَّة مشتقة من الكر وهو العود لأنها عَود إلى شيء بعد الانفصال عنه ككَرة المقاتل يحمِل على العدوّ بعد أن يفر فراراً مصنوعاً . وإيثار لفظ كرتين في هذه الآية دون مرادفة نحو مرتين وتارتين لأن كلمة كرة لم يغلب إطلاقها على عدد الاثنين ، فكان إيثارها في مقام لا يراد فيه اثنين أظهر في أنها مستعملة في مطلق التكرير دون عدد اثنين أو زوج وهذا من خصائص الإعجاز ، ألا ترى أن مقام إرادة عدد الزوج كان مقتضياً تثنية مرة في قوله تعالى : { الطلاق مرتان } [ البقرة : 229 ] لأنه أظهر في إرادة العدد إذ لفظ مرة أكثر تداولاً .

وتثنية { كرتين } ليس المراد بها عدد الاثنين الذي هو ضعف الواحد إذ لا يتعلق غرض بخصوص هذا العدد ، وإنما التثنية مستعملة كناية عن مطلق التكرير فإن من استعمالات صيغة التثنية في الكلام أن يراد بها التكرير وذلك كما في قولهم : « لَبَّيك وسَعديك » يريدون تلبيات كثيرة وإسعاداً كثيراً ، وقولهم : دَواليك ، ومنه المثل « دُهْدُرَّيْن ، سَعْدُ القَين » ( الدُّهْدُرُّ الباطل ، أي باطلاً على باطل ، أي أتيتَ يا سعدُ القَيْن دهدرين وهو تثنية دُهْدرّ الدال المهملة في أوله مضمومة فهاء ساكنة فدال مهملة مضمومة فراء مشددة ) وأصله كلمة فارسية نقلها العرب وجعلوها بمعنى الباطل . وسبب النقل مختلف فيه وتثنيته مكنّى بها عن مضاعفة الباطل ، وكانوا يقولون هذا المثل عند تكذيب الرجل صاحبَه وأما سعد القين فهو اسم رجل كان قيناً وكان يمرّ على الأحياء لصقل سيوفهم وإصلاحِ أسلحتهم فكان يُشيع أنه راحل غَداً ليُسرع أهل الحي بجلب ما يحتاج للإِصلاح فإذا أتوه بها أقام ولم يرحل فضُرب به المثل في الكذب فكان هذا المثل جامعاً لمثلين ؛ وقد ذكره الزمخشري في « المستقصى » ، والميداني في « مجمع الأمثال » وأطال .

وأصل استعمال التثنية في معنى التكرير أنهم اختصروا بالتثنية تعداد ذكر الاسم تعداداً مشيراً إلى التكثير .

وقريب من هذا القبيل قولهم : وقَع كذَا غيرَ مرة ، أي مرات عديدة .

فمعنى { ثم ارجع البصر كرتين } عاوِد التأمّلَ في خلق السماوات وغيرها غير مرة والانقلاب : الرجوع يقال : انقلب إلى أهله ، أي رجع إلى منزله قال تعالى : { وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فاكهين } [ المطففين : 31 ] وإيثار فعل : { ينقلب } هنا دون : يرجع ، لئلا يلتبس بفعل { ارجع } المذكور قبله . وهذا من خصائص الإِعجاز نظير إيثار كلمة { كرتين } كما ذكرناه آنفاً .

والخاسىء : الخائب ، أي الذي لم يجد ما يطلبه ، وتقدم عند قوله تعالى : { قال اخسأوا فيها } [ سورة المؤمنين : 108 ] .

والحَسير : الكليل . وهو كلل ناشىء عن قوة التأمل والتحديق مع التكرير ، أي يرجع البصر غير واجد ما أُغْري بالحرص على رؤيته بعد أن أدام التأمل والفحص حتى عيي وكلّ ، أي لا تجدْ بعد الَّلأْي فطوراً في خلق الله .