فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ثُمَّ ٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ كَرَّتَيۡنِ يَنقَلِبۡ إِلَيۡكَ ٱلۡبَصَرُ خَاسِئٗا وَهُوَ حَسِيرٞ} (4)

{ ثُمَّ اْرجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ } أي رجعتين مرّة بعد مرّة ، وانتصابه على المصدر ، والمراد بالتثنية : التكثير ، كما في لبيك وسعديك : أي رجعة بعد رجعة وإن كثرت . ووجه الأمر بتكرير النظر على هذه الصفة ، أنه قد لا يرى ما يظنه من العيب في النظرة الأولى ولا في الثانية ، ولهذا قال أوّلاً : { مَّا ترى فِي خَلْقِ الرحمن مِن تفاوت } ثم قال ثانياً : { فارجع البصر } ثم قال ثالثاً : { ثُمَّ اْرجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ } فيكون ذلك أبلغ في إقامة الحجة ، وأقطع للمعذرة { يَنقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئًا } أي يرجع إليك البصر ذليلاً صاغراً عن أن يرى شيئًا من ذلك ، وقيل : معنى خاسئاً : مبعداً مطروداً عن أن يبصر ما التمسه من العيب ، يقال : خسأت الكلب : أي أبعدته وطردته . قرأ الجمهور { يَنْقَلِبْ } بالجزم جواباً للأمر . وقرأ الكسائي في رواية بالرفع على الاستئناف { وَهُوَ حَسِيرٌ } أي كليل منقطع . قال الزجاج : أي وقد أعيا من قبل أن يرى في السماء خللاً ، وهو فعيل بمعنى فاعل من الحسور ، وهو الإعياء ، يقال : حسر بصره يحسر حسوراً : أي كلّ وانقطع ، ومنه قول الشاعر :

نظرت إليها بالمحصب من منى *** فعاد إليّ الطرف وهو حسير

/خ11