نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ثُمَّ ٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ كَرَّتَيۡنِ يَنقَلِبۡ إِلَيۡكَ ٱلۡبَصَرُ خَاسِئٗا وَهُوَ حَسِيرٞ} (4)

ولما كان في سياق المجازاة بالأعمال الصالحة والطالحة التي دل{[66759]} عدم الانتصاف من الظالمين في هذه الدار على أنها تكون بعد البعث وكانت العزة مقتضية لذلك ، وكان خلقه سبحانه وتعالى لهذا الوجود على هذا النظام مثبتاً لها ، وكانت أعمالهم أعمال المنكر لها ، ولا سيما تصريحهم بأنه لا بعث ، دل على عظمة عزته{[66760]} بما أبدعه من هذا السقف الرفيع البديع ، ثم بجعله محفوظاً هذا الحفظ المنيع ، على تعاقب الأحقاب{[66761]} وتكرر{[66762]} السنين ، فقال معبراً بأداة التراخي دالاً على جلاله بإدامة التكرير طول الزمان : { ثم ارجع البصر } وأكد ما{[66763]} أفهمته الآية من طلب التكرير بقوله تعالى : { كرتين } أي مرتين أخريين - هذا مدلولها لغة ، وبالنظر إلى السياق علم أن المرد مرة بعد مرة لا تزال{[66764]} تكرر ذلك لارتياد الخلل لا إلى نهاية ، كما أن " لبيك " مراد به إجابة إلى غير غاية ، وعلى ذلك دل قوله سبحانه وتعالى : { ينقلب إليك } أي من غير اختيار بل غلبة وإعياء وانكسار ، { البصر خاسئاً } أي صاغراً مطروداً ذليلاً{[66765]} بعيداً عن إصابة المطلوب { وهو } أي والحال أنه { حسير * } أي كليل تعب معيى من طول المعاودة وتدقيق النظر وبعد المسرح ، وإذا كان هذا الحال في بعض المصنوع فكيف يطلب{[66766]} العلم بالصانع في كماله من جلاله وجماله ، فكيف بمن يتفوه بالحلول أو الاتحاد حسبه جهنم وبئس المهاد .


[66759]:- زيد في الأصل: عليها، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66760]:- من ظ وم، وفي الأصل: عزة.
[66761]:- من ظ وم، وفي الأصل: الأحكام.
[66762]:- من م، وفي الأصل وظ: تكرير.
[66763]:- من ظ وم، وفي الأصل: بما.
[66764]:- من ظ وم، وفي الأصل: لا ترك.
[66765]:- زيدت من ظ و م.
[66766]:- في م: عند طلب.