الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{ثُمَّ ٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ كَرَّتَيۡنِ يَنقَلِبۡ إِلَيۡكَ ٱلۡبَصَرُ خَاسِئٗا وَهُوَ حَسِيرٞ} (4)

وأمره بتكرير البصر فيهنّ متصفحاً ومتتبعاً يلتمسُ عيباً وخللاً { يَنقَلِبْ إِلَيْكَ } أي إن رجعت البصر وكررت النظر لم يرجع إليك بصرك بما التمسته من رؤية الخلل وإدراك العيب ، بل يرجع إليك بالخسوء والحسور ، أي : بالبعد عن إصابة الملتمس ، كأنه يطرد عن ذلك طرداً بالصغار والقماءة ، وبالإعياء والكلال لطول الإجالة والترديد .

فإن قلت : كيف ينقلب البصر خاسئاً حسيراً برجعه كرّتين اثنتين ؟ قلت : معنى التثنية التكرير بكثرة ، كقولك : لبيك وسعديك ، تريد إجابات كثيرة بعضها في أثر بعض ، وقولهم في المثل : دهدرّين سعد القين من ذلك ، أي : باطلاً بعد باطل .

فإن قلت : فما معنى ثم ارجع ؟ قلت : أمره برجع البصر ، ثم أمره بأن لا يقتنع بالرجعة الأولى وبالنظرة الحمقاء ، وأن يتوقف بعدها ويجم بصره ، ثم يعاود ويعاود ، إلى أن يحسر بصره من طول المعاودة ، فإنه لا يعثر على شيء من فطور .