مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ثُمَّ ٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ كَرَّتَيۡنِ يَنقَلِبۡ إِلَيۡكَ ٱلۡبَصَرُ خَاسِئٗا وَهُوَ حَسِيرٞ} (4)

ثم قال تعالى : { ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير } .

أمر بتكرير البصر في خلق الرحمن على سبيل التصفح والتتبع ، هل يجد فيه عيبا وخللا ، يعني أنك إذا كررت نظرك لم يرجع إليك بصرك بما طلبته من وجدان الخلل والعيب ، بل يرجع إليك خاسئا أي مبعدا من قولك خسأت الكلب إذا باعدته ، قال المبرد : الخاسئ المبعد المصغر ، وقال ابن عباس : الخاسئ الذي لم ير ما يهوى ، وأما الحسير فقال ابن عباس : هو الكليل ، قال الليث : الحسر والحسور الإعياء ، وذكر الواحدي هاهنا احتمالين ( أحدهما ) : أن يكون الحسير مفعولا من حسر العين بعد المرئي ، قال رؤبة :

يحسر طرف عيناه فضا ***

( الثاني ) : قول الفراء : أن يكون فاعلا من الحسور الذي هو الإعياء ، والمعنى أنه وإن كرر النظر وأعاده فإنه لا يجد عيبا ولا فطورا ، بل البصر يرجع خاسئا من الكلال والإعياء ، وهاهنا سؤالان :

السؤال الأول : كيف ينقلب البصر خاسئا حسيرا برجعه كرتين اثنتين ( الجواب ) : التثنية للتكرار بكثرة كقولهم : لبيك وسعديك يريد إجابات متوالية .

السؤال الثاني : فما معنى ثم ارجع ( الجواب ) : أمره برجع البصر ثم أمره بأن لا يقنع بالرجعة الأولى ، بل أن يتوقف بعدها ويجم بصره ثم يعيده ويعاوده إلى أن يحسر بصره من طول المعاودة فإنه لا يعثر على شيء من فطور .