فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ثُمَّ ٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ كَرَّتَيۡنِ يَنقَلِبۡ إِلَيۡكَ ٱلۡبَصَرُ خَاسِئٗا وَهُوَ حَسِيرٞ} (4)

{ ثم ارجع البصر كرتين } أي رجعتين مرة بعد مرة ، وانتصابه على المصدر ، والمراد بالتثنية التكثير كما في لبيك وسعديك وحنانيك وهذاذيك ، لا يريدون بهذه التثنية شفع الواحد ، إنما يريدون التكثير أي رجعة بعد رجعة وإن كثرت ، وإجابة لك بعد أخرى ، وإلا تناقض الغرض ، ووجه الأمر بتكرير النظر على هذه أنه قد لا يرى ما يظنه من العيب في النظرة الأولى ولا في الثانية ولهذا قال أولا { ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت } ثم قال ثانيا { ثم ارجع البصر كرتين } فيكون ذلك أبلغ في إقامة الحجة وأقطع للمعذرة ، وقيل : الأولى ليرى حسنها واستواءها والثانية ليبصر كواكبها في سيرها وانتهائها .

{ ينقلب إليك البصر خاسئا } أي يرجع إليك البصر خاشعا متباعدا عن أن يرى شيئا من ذلك ، وقيل : معنى خاسئا مبعدا مطرودا عن أن يبصر ما التمسه من العيب ، يقال : خسأت الكلب أي أبعدته وطردته ، وقال ابن عباس : خاسئا صاغرا ذليلا ، وقرأ الجمهور ينقلب بالجزم جوابا للأمر ، وقرئ بالرفع على الاستئناف .

{ وهو حسير } أي كليل لا يرى شيئا قاله ابن عباس : أي منقطع ، وعنه قال : عيي مرتجع ، قال الزجاج : أي وقد أعيا من قبل أن يرى في السماء خللا ، وهو فعيل بمعنى فاعل من الحسور وهو الإعياء ، يقال : حسر بصره يحسر حسورا أي كل وانقطع ( {[1603]} ) وبلغ الغاية في الإعياء .


[1603]:ومنه قول الشاعر: نظرت إليها بالمحصب من منى فعاد إليّ الطرف وهو حسير