تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَنِ ٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ فَلۡيُلۡقِهِ ٱلۡيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأۡخُذۡهُ عَدُوّٞ لِّي وَعَدُوّٞ لَّهُۥۚ وَأَلۡقَيۡتُ عَلَيۡكَ مَحَبَّةٗ مِّنِّي وَلِتُصۡنَعَ عَلَىٰ عَيۡنِيٓ} (39)

ثم قذفته في اليم ، أي : شط نيل مصر ، فأمر الله اليم ، أن يلقيه في الساحل ، وقيض أن يأخذه ، أعدى الأعداء لله ولموسى ، ويتربى في أولاده ، ويكون قرة عين لمن رآه ، ولهذا قال : { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي } فكل من رآه أحبه { وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } ولتتربى على نظري وفي حفظي وكلاءتي ، وأي نظر وكفالة أجلّ وأكمل ، من ولاية البر الرحيم ، القادر على إيصال مصالح عبده ، ودفع المضار عنه ؟ ! فلا ينتقل من حالة إلى حالة ، إلا والله تعالى هو الذي دبّر ذلك لمصلحة موسى ، ومن حسن تدبيره ، أن موسى لما وقع في يد عدوه ، قلقت أمه قلقا شديدا ، وأصبح فؤادها فارغا ، وكادت تخبر به ، لولا أن الله ثبتها وربط على قلبها ، ففي هذه الحالة ، حرم الله على موسى المراضع ، فلا يقبل ثدي امرأة قط ، ليكون مآله إلى أمه فترضعه ، ويكون عندها ، مطمئنة ساكنة ، قريرة العين ، فجعلوا يعرضون عليه المراضع ، فلا يقبل ثديا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَنِ ٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ فَلۡيُلۡقِهِ ٱلۡيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأۡخُذۡهُ عَدُوّٞ لِّي وَعَدُوّٞ لَّهُۥۚ وَأَلۡقَيۡتُ عَلَيۡكَ مَحَبَّةٗ مِّنِّي وَلِتُصۡنَعَ عَلَىٰ عَيۡنِيٓ} (39)

هذه{[19265]} إجابة من الله لرسوله موسى ، عليه السلام ، فيما سأل من ربه عز وجل ، وتذكير{[19266]} له بنعمه السالفة عليه ، فيما كان ألهم أمه حين كانت ترضعه ، وتحذر عليه من فرعون وملئه أن يقتلوه ؛ لأنه كان قد ولد في السنة التي يقتلون فيها الغلمان . فاتخذت له تابوتا ، فكانت{[19267]} ترضعه ثم تضعه فيه ، وترسله في البحر - وهو النيل - وتمسكه إلى منزلها بحبل فذهبت مرة لتربطه{[19268]} فانفلت منها وذهب به البحر ، فحصل لها من الغم والهم ما ذكره الله عنها في قوله : { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا } [ القصص : 10 ] فذهب به البحر إلى دار فرعون { فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا } [ القصص : 8 ] أي قدرًا مقدورًا{[19269]} من الله ، حيث كانوا هم يقتلون الغلمان{[19270]} من بني إسرائيل ، حذرًا من وجود موسى ، فحكم الله - وله السلطان العظيم ، والقدرة التامة - ألا يربى إلا على فراش فرعون ، ويغذى بطعامه وشرابه ، مع محبته وزوجته له ؛ ولهذا قال : { يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي } [ أي : عند عدوك ، جعلته يحبك . قال سلمة بن كُهَيْل : { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي } ]{[19271]} قال : حببتك إلى عبادي .

{ وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } قال أبو عمران الجوني : تربى بعين الله .

وقال قتادة : تغذى على عيني .

وقال معمر بن المثنى : { وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } بحيث أرى .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : يعني أجعله في بيت الملك ينعم ويترف ، غذاؤه عندهم غذاء الملك ، فتلك الصنعة .


[19265]:في ف، أ: "هذا".
[19266]:في ف، أ: "وتذكيرًا".
[19267]:في ف، أ: "وكانت".
[19268]:في ف، أ: "لتربط الحبل".
[19269]:في أ: "أي قدرا مقدرا".
[19270]:في أ: "العلماء"
[19271]:زيادة من أ.

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَنِ ٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ فَلۡيُلۡقِهِ ٱلۡيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأۡخُذۡهُ عَدُوّٞ لِّي وَعَدُوّٞ لَّهُۥۚ وَأَلۡقَيۡتُ عَلَيۡكَ مَحَبَّةٗ مِّنِّي وَلِتُصۡنَعَ عَلَىٰ عَيۡنِيٓ} (39)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمّ بِالسّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوّ لّي وَعَدُوّ لّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبّةً مّنّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىَ عَيْنِيَ } .

يقول تعالى ذكره : ولقد مننا عليك يا موسى مرّة أخرى حين أوحينا إلى أمك ، أن اقذفي ابنك موسى حين ولدتك في التابوت فاقْذِفِيهِ فِي اليَمّ يعني باليم : النيل فَلْيُلْقِهِ اليَمّ بالساحِلِ يقول : فاقذفيه في اليم ، يلقه اليم بالساحل ، وهو جزاء أخرج مخرج الأمر ، كأن اليم هو المأمور ، كما قال جلّ ثناؤه : " اتّبِعُوا سَبِيلَنَا ولْنَحْمِلْ خَطَاياكُمْ " يعني : اتبعوا سبيلنا نحمل عنكم خطاياكم ، ففعلت ذلك أمه به فألقاه اليم بمَشْرَعة آل فرعون ، كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لما ولدت موسى أمه أرضعته ، حتى إذا أمر فرعون بقتل الولدان من سنته تلك عمدت إليه ، فصنعت به ما أمرها الله تعالى ، جعلته في تابوت صغير ، ومهدت له فيه ، ثم عمدت إلى النيل فقذفته فيه ، وأصبح فرعون في مجلس له كان يجلسه على شفير النيل كلّ غداة ، فبينا هو جالس ، إذ مرّ النيل بالتابوت فقذف به وآسية ابنة مُزَاحم امرأته جالسة إلى جنبه ، فقال : إن هذا لشيء في البحر ، فأتوني به ، فخرج إليه أعوانه حتى جاءوا به ، ففتح التابوت فإذا فيه صبيّ في مهده ، فألقى الله عليه محبته ، وعطف عليه نفسه . وعنى جلّ ثناؤه بقوله : " يأْخُذْهُ عَدُوّ لي وَعَدُوّ لَهُ " ، فرعون هو العدوّ ، كان لله ولموسى .

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : " فاقْذِفِيهِ فِي اليَمّ " وهو البحر ، وهو النيل .

واختلف أهل التأويل في معنى المحبة التي قال الله جلّ ثناؤه " وألْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبّةً مِنّي " فقال بعضهم : عنى بذلك أنه حببه إلى عباده . ذكر من قال ذلك :

حدثني الحسين بن عليّ الصدائي والعباس بن محمد الدوري ، قالا : حدثنا حسين الجعفي عن موسى بن قبس الحضرمي ، عن سلمة بن كهيل ، في قول الله : " وألْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبّةً منّي " قال العباس : حببتك إلى عبادي وقال الصّدَائي : حببتك إلى خلقي .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : أي حسنت خلقك . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني إبراهيم بن مهدي ، عن رجل ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، قوله : " وألْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبّةً منّي " قال : حسنا وملاحة .

قال أبو جعفر : والذي هو أولى بالصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله ألقى محبته على موسى ، كما قال جلّ ثناؤه " وألْقَيْتَ عَلَيْكَ مَحَبّةً مِنّي " فحببه إلى آسية امرأة فرعون ، حتى تبنّته وغذّته وربّته ، وإلى فرعون ، حتى كفّ عنه عاديته وشرّه . وقد قيل : إنما قيل : وألقيت عليك محبة مني ، لأنه حببه إلى كل من رآه . ومعنى " ألْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبّةً مِنّي " حببتك إليهم يقول الرجل لاَخر إذا أحبه : ألقيت عليك رحمتي : أي محبتي .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَنِ ٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ فَلۡيُلۡقِهِ ٱلۡيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأۡخُذۡهُ عَدُوّٞ لِّي وَعَدُوّٞ لَّهُۥۚ وَأَلۡقَيۡتُ عَلَيۡكَ مَحَبَّةٗ مِّنِّي وَلِتُصۡنَعَ عَلَىٰ عَيۡنِيٓ} (39)

و { أن } في قوله { أن اقذفيه } بدل من { ما } والضمير الأول في { اقذفيه } عائد على موسى وفي الثاني على { التابوت }{[8104]} ، ويجوز أن يعود على { موسى } . وقوله { فليلقه اليم } خبر خرج في صيغة الأمر إذ الأمر أقطع الأفعال وأوجبها ، ومنه قول النبي عليه السلام «قوموا فلأصل لكم »{[8105]} فأخبر الخبر في صيغة الأمر لنفسه مبالغة وهذا كثير ، ومن حيث خرج الفعل مخرج الأمر حسن جوابه كذلك ، و «العدو » الذي هو لله ولموسى كان فرعون ولكن أم موسى أخبرت به على الإبهام وذلك قالت لأخته قصيه وهي لا تدري أين . ثم أخبر تعالى موسى أنه «ألقى عليه محبة » منه فقال بعض الناس أراد محبة آسية لأنها كانت من الله وكانت سبب حياته . وقالت فرقة : أراد القبول الذي يضعه الله في الأرض لخيار عباده ، وكان حظ موسى منه في غاية الوفر . وقالت فرقة : أعطاء جمالاً يحبه به كل من رآه ، وقالت فرقة : أعطاء ملاحة العينين ، وهذان قولان فيهما ضعف وأقوى الأقوال أنه القبول . وقرأ الجمهور و «لِتُصنع » بكسر اللام وضم التاء على معنى ولتغذى وتطعم وتربى ، وقرأ أبو نهيك «ولَتصنع » بفتح التاء ، قال ثعلب معناه لتكون حركتك وتصرفك على عين مني ، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع «ولْتصنع » بسكون اللام على الأمر للغالب وذلك متجه . وقوله { على عيني } معناه بمرأى مني وأمر مدرك مبصر مراعى .


[8104]:يريد أن يقول: والضمير في [اقذفيه] الأولى عائد على موسى، وفي [فاقذفيه] الثانية عائد على التابوت.
[8105]:هذا جزء من حديث أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، ومالك، والدرامي، عن أنس، ولفظه في البخاري (أن جدته ـ أي أنس ـ مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته له، فأكل منه ثم قال: (قوموا فلأصلي لكم)، قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء، فقام رسول اله صلى الله عليه وسلم، وصففت واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا، فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم انصرف)، وعلى هذه الرواية فلا شاهد في الحديث لأن الصيغة فيه ليست صيغة أمر.