تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَسۡبَٰبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ كَٰذِبٗاۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِۚ وَمَا كَيۡدُ فِرۡعَوۡنَ إِلَّا فِي تَبَابٖ} (37)

والقصد منه لعلي أطلع { إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبًا } في دعواه أن لنا ربًا ، وأنه فوق السماوات .  ولكنه يريد أن يحتاط فرعون ، ويختبر الأمر بنفسه ، قال الله تعالى في بيان الذي حمله على هذا القول : { وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ } فزين له العمل السيئ ، فلم يزل الشيطان يزينه ، وهو يدعو إليه ويحسنه ، حتى رآه حسنًا ودعا إليه وناظر مناظرة المحقين ، وهو من أعظم المفسدين ، { وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ } الحق ، بسبب الباطل الذي زين له . { وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ } الذي أراد أن يكيد به الحق ، ويوهم به الناس أنه محق ، وأن موسى مبطل { إِلَّا فِي تَبَابٍ } أي : خسار وبوار ، لا يفيده إلا الشقاء في الدنيا والآخرة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَسۡبَٰبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ كَٰذِبٗاۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِۚ وَمَا كَيۡدُ فِرۡعَوۡنَ إِلَّا فِي تَبَابٖ} (37)

36

{ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأظُنُّهُ كَاذِبًا } ، وهذا من كفره وتمرده ، أنه كذب موسى في أن الله ، عز وجل ، أرسله إليه ، قال الله تعالى : { وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ } أي : بصنيعه هذا الذي أراد أن يوهم به الرعية أنه يعمل شيئا يتوصل به إلى تكذيب موسى ، عليه السلام ؛ ولهذا قال تعالى : { وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ } قال ابن عباس [ رضي الله عنهما ] {[25509]} ، ومجاهد : يعني إلا في خسار .


[25509]:- (1) زيادة من س.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَسۡبَٰبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ كَٰذِبٗاۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِۚ وَمَا كَيۡدُ فِرۡعَوۡنَ إِلَّا فِي تَبَابٖ} (37)

يقول تعالى ذكره : وقال فرعون لما وعظه المؤمن من آله بما وعظه به وزجره عن قتل موسى نبيّ الله وحذره من بأس الله على قيله أقتله ما حذره لوزيره وزير السوء هامان : يا هامانُ ابْنِ لي صَرْحا لَعَلّي أبْلُغُ الأسْبابَ يعني بناءً . وقد بيّنا معنى الصرح فيما مضى بشواهده بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

لَعَلّي أبْلُغُ الأسْبابَ اختلف أهل التأويل في معنى الأسباب في هذا الموضع ، فقال بعضهم : أسباب السموات : طرقها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أحمد بن هشام ، قال : حدثنا عبد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن السديّ ، عن أبي صالح أسْبابَ السّمَوَاتِ قال : طُرُق السموات .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ أبْلُغُ الأسْبابَ أسْبابَ السّمَوَاتِ قال : طُرُق السموات .

وقال آخرون : عُني بأسباب السموات : أبواب السموات . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لي صَرْحا وكان أوّل من بنى بهذا الاَجر وطبخه لَعَلّي أبْلُغُ الأسْبابَ أسْبابَ السّمَوَاتِ : أي أبواب السموات .

وقال آخرون : بل عُني به مَنْزِل السماء . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : لَعَلّي أبْلُغُ الأسْبابَ أسْبابَ السّمَوَاتِ قال : منزل السماء .

وقد بيّنا فيما مضى قبل ، أن السبب : هو كلّ ما تُسَبّبَ به إلى الوصول إلى ما يطلب من حبل وسلم وطريق وغير ذلك .

فأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال : معناه لعلي أبلغ من أسباب السموات أسبابا أتسبب بها إلى رؤية إله موسى ، طرقا كانت تلك الأسباب منها ، أو أبوابا ، أو منازل ، أو غير ذلك .

وقوله : فأطّلِعَ إلى إلَهِ مُوسَى اختلف القرّاء في قراءة قوله : فأطّلِعَ فقرأت ذلك عامة قرّاء الأمصار : «فأطّلِعُ » بضم العين : ردّا على قوله : أبْلُغُ الأسْبابَ وعطفا به عليه . وذُكر عن حميد الأعرج أنه قرأ فأطّلِعَ نصبا جوابا للعَلّي ، وقد ذكر الفرّاء أن بعض العرب أنشده :

( عَلّ صُرُوفِ الدّهْرِ أَوْ دُولاتِها )

( يُدِيلْنَنا اللّمّةَ مِنْ لَمّاتِها )

( فَتَسْتَرِيحَ النّفْسُ مِنْ زَفْرَاتِها )

فنصب فتستريحَ على أنها جواب للعلّ .

والقراءة التي لا أستجيز غيرها الرفع في ذلك ، لإجماع الحجة من القراء عليه .

وقوله : وَإني لأَظُنّهُ كاذِبا يقول : وإني لأظنّ موسى كاذبا فيما يقول ويدّعي من أن له في السماء ربا أرسله إلينا .

وقوله : وكَذَلكَ زُيّنَ لِفَرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ يقول الله تعالى ذكره : وهكذا زين الله لفرعون حين عتا عليه وتمردّ ، قبيح عمله ، حتى سوّلت له نفسه بلوغ أسباب السموات ، ليطلع إلى إله موسى .

وقوله : وَصُدّ عَنِ السّبِيلِ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة : وَصُدّ عَنِ السّبِيلِ بضمّ الصاد ، على وجه ما لم يُسَمّ فاعله ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَصُدّ عَنِ السّبِيلِ قال : فُعِل ذلك به ، زين له سوء عمله ، وصُدّ عن السبيل .

وقرأ ذلك حميد وأبو عمرو وعامة قرّاء البصرة «وَصَدّ » بفتح الصاد ، بمعنى : وأعرض فرعون عن سبيل الله التي ابتُعِث بها موسى استكبارا .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان معروفتان في قرأة الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .

وقوله : وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إلاّ في تَبابٍ يقول تعالى ذكره : وما احتيال فرعون الذي يحتال للاطلاع إلى إله موسى ، إلا في خسار وذهاب مال وغبن ، لأنه ذهبت نفقته التي أنفقها على الصرح باطلاً ، ولم ينل بما أنفق شيئا مما أراده ، فذلك هو الخسار والتباب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إلاّ فِي تَبابٍ يقول : في خُسران .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : فِي تَبابٍ قال : خَسار .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إلاّ فِي تَبابٍ : أي في ضلال وخسار .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إلاّ فِي تَبابٍ قال : التّباب والضّلال واحد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَسۡبَٰبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ كَٰذِبٗاۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِۚ وَمَا كَيۡدُ فِرۡعَوۡنَ إِلَّا فِي تَبَابٖ} (37)

و : { الأسباب } الطرق ، قاله السدي . وقال قتادة : أراد الأبواب وقيل : عنى لعله يجد مع قربه من السماء سبباً يتعلق به .

وقرأ الجمهور : «فأطلع » بالرفع عطفاً على «أبلغ » ، وقرأ حفص عن عاصم والأعرج : «فأطلعَ » بالنصب بالفاء في جواب التمني .

ولما قال فرعون بمحضر من ملإه { فأطلع إلى إله موسى } اقتضى كلامه الإقرار ب { إله موسى } ، فاستدرك ذلك استدراكاً قلقاً بقوله : { وإني لأظنه كاذباً } ، ثم قال تعالى : { وكذلك زين } أي إنه كما تخرق{[10003]} فرعون في بناء الصرح والأخذ في هذه الفنون المقصرة كذلك جرى جميع أمره . و : { زين } أي زين الشيطان سوء عمله في كل أفعاله .

وقرأ الجمهور : «وصد عن السبيل » بفتح الصاد بإسناد الفعل إلى فرعون . وقرأ حمزة والكسائي وعاصم وجماعة : «وصُدَّ » بضم الصاد وفتح الدال المشددة عطفاً على { زين } وحملاً عليه . وقرأ يحيى بن وثاب : «وصِد » بكسر الصاد على معنى صد ، أصله ، صدد ، فنقلت الحركة ثم أدغمت الدال في الدال . وقرأ ابن أبي إسحاق وعبد الرحمن بن أبي بكرة بفتح الصاد ورفع الدال المشددة وتنوينها عطفاً على قوله : { سوء عمله } .

و : { السبيل } سبيل الشرع والإيمان و { التباب } : الخسران ، ومنه : { تبت يدا أبي لهب }{[10004]} وبه فسر مجاهد وقتادة . وتب فرعون ظاهر ، لأنه خسر ماله في الصرح وغيره ، وخسر ملكه وخسر نفسه وخلد في جهنم ، ثم وعظ الذي آمن فدعا إلى اتباع أمر الله .


[10003]:تخرق: اختلق الكذب وبالغ فيه.
[10004]:من الآية (1) من سورة (المسد).