{ ذَلِكَ } الإقرار ، الذي أقررت [ أني راودت يوسف ] { لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ }
يحتمل أن مرادها بذلك زوجها أي : ليعلم أني حين أقررت أني راودت يوسف ، أني لم أخنه بالغيب ، أي : لم يجر منِّي إلا مجرد المراودة ، ولم أفسد عليه فراشه ، ويحتمل أن المراد بذلك ليعلم يوسف حين أقررت أني أنا الذي راودته ، وأنه صادق أني لم أخنه في حال غيبته عني . { وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ } فإن كل خائن ، لا بد أن تعود خيانته ومكره على نفسه ، ولا بد أن يتبين أمره .
القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ } .
يعني بقوله : ذلكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخْنْهُ بالغَيْبِ هذا الفعل الذي فعلته من ردّي رسول الملك إليه ، وتركي إجابته والخروج إليه ، ومسألتي إياه أن يسأل النّسْوَة اللاتي قطّعْنَ أيْدِيَهُن ، عن شأنهنّ إذ قطعن أيديهن ، إنما فعلته ليعلم أني لم أخنه في زوجته بالغيب : يقول : لم أركب منها فاحشة في حال غيبته عني . وإذا لم يركب ذلك بمغيبه ، فهو في حال مشهده إياه أحرى أن يكون بعيدا عن ركوبه . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : يقول يوسف : ذلكَ لِيَعْلَمَ إطفير سيده ، أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ أني لم أكن لأخالفه إلى أهله من حيث لا يعلمه .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ذلكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ يوسف يقوله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ذَلكَ ليَعْلَمَ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ يوسف يقوله : لم أخن سيدي .
قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ذلكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ قال يوسف يقوله .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ذلكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ قال : هذا قول يوسف .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا هشيم ، عن إسماعيل بن سالم ، عن أبي صالح ، في قوله : ذلكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخنْهُ بالغَيْبِ هو يوسف يقول : لم أخن الملك بالغيب .
وقوله : وأنّ اللّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الخائِنِينَ يقول : فعلت ذلك ليعلم سيدي أني لم أخنه بالغيب ، وأن الله لا يهدي كيد الخائنين : يقول : وأن الله لا يسدّد صنيع من خان الأمانات ، ولا يرشد فعالهم في خيانتهموها . واتصل قوله : ذلكَ ليَعْلَمَ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ بقول امرأة العزيز : أنا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإنّهَ لمِنَ الصّادِقِينَ المعرفة السامعين لمعناه ، كاتصال قول الله تعالى : وكذلكَ يَفْعَلُونَ بقول المرأة : وجعلوا أعزّةَ أهْلِها أذِلّة ، وذلك أن قوله : وكذلكَ يَفْعَلُونَ خبر مبتدإ ، وكذلك قول فرعون لأصحابه في سورة الأعراف : فَمَاذَا تَأْمُرُونِ وهو متصل بقول الملأ : يُرِيدُ أن يُخْرَجَكُمْ مِنْ أرْضِكُمْ . والله أعلم .
{ ذلك ليعلم } قاله يوسف لما عاد إليه الرسول وأخبره بكلامهن أي ذلك التثبت ليعلم العزيز . { أني لم أخنه بالغيب } بظهر الغيب وهو حال من الفاعل أو المفعول أي لم أخنه وأنا غائب عنه ، أو وهو غائب عني أو ظرف أي بمكان الغيب وراء الأستار والأبواب المغلقة . { وأن الله لا يهدي كيد الخائنين } لا ينفذه ولا يسدده ، أو لا يهدي الخائنين بكيدهم فأوقع الفعل على الكيد مبالغة . وفيه تعريض براعيل في خيانتها زوجها وتوكيد لأمانته ولذلك عقبه بقوله : { وما أبرّئ نفسي } .
ظاهر نظم الكلام أن الجملة من قول امرأة العزيز ، وعلى ذلك حمله الأقل من المفسرين ، وعزاه ابن عطية إلى فرقة من أهل التأويل ، ونُسب إلى الجبائي ، واختاره الماوردي ، وهو في موقع العلة لما تضمنته جملة { أنا راودته عن نفسه } [ سورة يوسف : 51 ] وما عطف عليها من إقرار ببراءة يوسف عليه السّلام بما كانت رمتْه به . فالإشارة بذلك إلى الإقرار المستفاد من جملة أنا راودته } أي ذلك الإقرار ليعلم يوسف عليه السّلام أني لم أخنه .
واللام في { ليعلم } لام كي ، والفعل بعدها منصوب ب ( أنْ ) مضمرة ، فهو في تأويل المصدر ، وهو خبر عن اسم الإشارة .
والباء في { بالغيب } للملابسة أو الظرفية ، أي في غيبته ، أي لم أرمه بما يقدح فيه في مغيبه . ومحل المجرور في محل الحال من الضمير المنصوب .
والخيانة : هي تهمتهُ بمحاولة السوء معها كذباً ، لأن الكذب ضد أمانة القول بالحق .
والتعريف في { الغيب } تعريف الجنس . تمدحت بعدم الخيانة على أبلغ وجه إذ نَفت الخيانة في المغيب وهو حَائلٌ بينه وبين دفاعه عن نفسه ، وحالة المغيب أمكن لمريد الخيانة أن يخون فيها من حالة الحضرة ، لأن الحاضر قد يتفطن لقصد الخائن فيدفع خيانته بالحجة .
و { أنّ الله لا يهدي كيد الخائنين } عطف على { ليعلم } وهو علة ثانية لإصداعها بالحق ، أي ولأن الله لا يهدي كيد الخائنين . والخبر مستعمل في لازم الفائدة وهو كون المتكلم عالماً بمضمون الكلام ، لأن علة إقرارها هو علمها بأن الله لا يهدي كيد الخائنين .
ومعنى { لا يهدي كيد الخائنين } لا ينفذه ولا يسدده . فأطلقت الهداية التي هي الإرشاد إلى الطريق الموصلة على تيسير الوصول ، وأطلق نفيها على نفي ذلك التيسير ، أي أن سنة الله في الكون جرت على أن فنون الباطل وإن راجت أوائلها لا تلبث أن تنقشع { بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهقً } [ سورة الأنبياء : 18 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.