تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلۡ أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ أَوۡ أَرَادَنِي بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَٰتُ رَحۡمَتِهِۦۚ قُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُۖ عَلَيۡهِ يَتَوَكَّلُ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (38)

{ 38 } { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ }

أي : ولئن سألت هؤلاء الضلال الذين يخوفونك بالذين من دونه ، وأقمت عليهم دليلا من أنفسهم ، فقلت : { مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ } لم يثبتوا لآلهتهم من خلقها شيئا . { لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } الذي خلقها . وحده . { قُلْ } لهم مقررا عجز آلهتهم ، بعد ما تبينت قدرة اللّه : { أَفَرَأَيْتُمْ } أي : أخبروني { مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ } أيَّ ضر كان .

{ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ } بإزالته بالكلية ، أو بتخفيفه من حال إلى حال ؟ . { أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ } يوصل إليَّ بها منفعة في ديني أو دنياي . { هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ } ومانعاتها عني ؟ . سيقولون : لا يكشفون الضر ولا يمسكون الرحمة .

قل لهم بعد ما تبين الدليل القاطع على أنه وحده المعبود ، وأنه الخالق للمخلوقات ، النافع الضار وحده ، وأن غيره عاجز من كل وجه . عن الخلق والنفع والضر ، مستجلبا كفايته ، مستدفعا مكرهم وكيدهم : { قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ } أي : عليه يعتمد المعتمدون في جلب مصالحهم ودفع مضارهم ، . فالذي بيده - وحده - الكفاية هو حسبي ، سيكفيني كل ما أهمني وما لا أهتم به .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلۡ أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ أَوۡ أَرَادَنِي بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَٰتُ رَحۡمَتِهِۦۚ قُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُۖ عَلَيۡهِ يَتَوَكَّلُ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (38)

وقوله : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } يعني : [ أن ]{[25137]} المشركين كانوا يعترفون بأن الله هو الخالق للأشياء كلها ، ومع هذا يعبدون معه غيره ، مما{[25138]} لا يملك لهم ضرا ولا نفعا ؛ ولهذا قال : { قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ } أي : لا تستطيع شيئا من الأمر{[25139]} .

وذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديث قيس بن الحجاج ، عن حنش الصنعاني ، عن{[25140]} ابن عباس مرفوعا : «احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يضروك ، ولو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك لم ينفعوك ، جفت الصحف ، ورفعت الأقلام ، واعمل لله بالشكر في اليقين ، واعلم أن الصبر على ما تكره خير كثير ، وأن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسرا »{[25141]} .

{ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ } أي : الله كافيّ ، عليه توكلت وعليه يتوكل المتوكلون ، كما قال هود ، عليه السلام ، حين قال له قومه : { إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِي إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [ هود : 54 - 56 ] .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري ، حدثنا عبد الله بن بكر{[25142]} السهمي ، حدثنا محمد بن حاتم ، عن أبي المقدام - مولى آل عثمان - عن محمد بن كعب القرظي ، حدثنا ابن عباس{[25143]} [ رضي الله عنهما ] {[25144]} - رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله ، ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق [ منه ]{[25145]} بما في يديه ، ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله " {[25146]} .


[25137]:- زيادة من ت ، أ.
[25138]:- في ت ، س ، أ: "ممن".
[25139]:- في ت: "الأمور".
[25140]:- في ت: "حدثنا بسنده إلى".
[25141]:- رواه أحمد في مسنده (1/293) والترمذي في السنن برقم (2516) من طريق الليث بن سعد عن قيس بن الحجاج به ، قال الترمذي: "حديث حسن صحيح".
[25142]:- في أ: "بكير".
[25143]:- في ت: "وروى ابن أبي حاتم بإسناده إلى ابن عباس".
[25144]:- زيادة من ت.
[25145]:- زيادة من ت ، س ، أ.
[25146]:- ورواه أبو نعيم في الحلية (3/218) من طرق عن أبي المقدام به ، ورواه ابن عدي في الكامل (5/241) من طريق شيبان عن عيسى ابن ميمون عن محمد بن كعب القرظي به.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلۡ أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ أَوۡ أَرَادَنِي بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَٰتُ رَحۡمَتِهِۦۚ قُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُۖ عَلَيۡهِ يَتَوَكَّلُ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (38)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مّنْ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنّ اللّهُ قُلْ أَفَرَأيْتُم مّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللّهُ بِضُرّ هَلْ هُنّ كَاشِفَاتُ ضُرّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكّلُ الْمُتَوَكّلُونَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين العادلين بالله الأوثان والأصنام : مَنْ خلق السموات والأرض ؟ ليقولنّ : الذي خلقهنّ الله فإذا قالوا ذلك ، فقل : أفرأيتم أيها القوم هذا الذي تعبدون من دون الله من الأصنام والاَلهة إنْ أرَادَنِي اللّهُ بِضُرَ يقول : بشدة في معيشتي ، هل هنّ كاشفات عني ما يصيبني به ربي من الضر ؟ أوْ أرَادَنِي بِرَحْمَةٍ يقول : إن أرادني ربي أن يصيبني سعة في معيشتي ، وكثرة مالي ، ورخاء وعافية في بدني ، هل هن ممسكات عني ما أراد أن يصيبني به من تلك الرحمة ؟ وترك الجواب لاستغناء السامع بمعرفة ذلك ، ودلالة ما ظهر من الكلام عليه . والمعنى : فإنهم سيقولون لا ، فقل : حسبي الله مما سواه من الأشياء كلها ، إياه أعبد ، وإليه أفزع في أموري دون كلّ شيء سواه ، فإنه الكافي ، وبيده الضرّ والنفع ، لا إلى الأصنام والأوثان التي لا تضر ولا تنفع ، عَلَيْه يَتَوَكّلُ المُتَوَكّلُونَ يقول : على الله يتوكل من هو متوكل ، وبه فليثق لا بغيره . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلَئِنْ سألْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السّمَوَاتِ والأرْضَ لَيَقُولُنّ اللّهُ حتى بلغ كاشِفاتُ ضُرّهِ يعني : الأصنام أوْ أرَادَنِي برَحْمَةٍ هَلْ هُنّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ .

واختلفت القراء في قراءة كاشِفاتُ ضُرّهِ و مُمْسِكاتُ رَحْمَتِه ، فقرأه بعضهم بالإضافة وخفض الضر والرحمة ، وقرأه بعض قراء المدينة وعامة قرّاء البصرة بالتنوين ، ونصب الضر والرحمة .

والصواب من القول في ذلك عندنا ، أنهما قراءتان مشهورتان ، متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، وهو نظير قوله : كَيْد الكافِرينَ في حال الإضافة والتنوين .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلۡ أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ أَوۡ أَرَادَنِي بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَٰتُ رَحۡمَتِهِۦۚ قُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُۖ عَلَيۡهِ يَتَوَكَّلُ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (38)

{ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله } لوضوح البرهان على تفرده بالخالقية . { قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره } أي أرأيتم بعد ما تحققتم أن خالق العالم هو الله تعالى وأن آلهتكم إن أراد الله أن يصيبني بضر هل يكشفنه . { أو أرادني برحمة } بنفع . { هل هن ممسكات رحمته } فيمسكنها عني ، وقرأ أبو عمرو " كاشفات ضره " " ممسكات رحمته " بالتنوين فيهما ونصب ضره ورحمته { قل حسبي الله } كافيا في إصابة الخير ودفع الضر إذ تقرر بهذا التقرير أنه القادر الذي لا مانع لما يريده من خير أو شر . روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم فسكتوا فنزل ذلك ، وإنما قال { كاشفات } و { ممسكات } على ما يصفونها به من الأنوثة تنبيها على كمال ضعفها . { عليه يتوكل المتوكلون } لعلمهم بأن الكل منه تعالى .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلۡ أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ أَوۡ أَرَادَنِي بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَٰتُ رَحۡمَتِهِۦۚ قُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُۖ عَلَيۡهِ يَتَوَكَّلُ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (38)

هذا ابتداء احتجاج عليهم بحجة أخرى ، وجملتها أن وقفوا على الخالق المخترع ، فإذا قالو إنه الله لم يبق لهم في الأصنام غرض إلا أن يقولوا إنها تنفع وتضر ، فلما تقعد{[9900]} من قولهم إن الله هو الخالق ، قيل لهم { أفرأيتم } هؤلاء إذا أراد الله أمراً بهم قدرتم على نقضه ؟ وحذف الجواب عن هذا ، لأنه من البين أنه لا يجيب أحد إلا بأنه لا قدرة بالأصنام على شيء من ذلك .

وقرأ : «إن أرادنيَ » بياء مفتوحة جمهور القراء والناس . وقرأ الأعمش : { أرادني الله } بحذف الياء في الوصل ، وروى خارجة «إن أراد » بغير ياء .

وقرأ جمهور القراء والأعرج وأبو جعفر والأعمش وعيسى وابن وثاب : «كاشفاتُ ضرِّه » بالإضافة . وقرأ أبو عمر وأبو بكر عن عاصم : «كاشفاتٌ ضرَّه » بالتنوين والنصب في الراء ، وهي قراءة شيبة والحسن وعيسى بخلاف عنه وعمرو بن عبيد ، وهذا هو الوجه فيما لم يقع بعد ، وكذلك الخلاف في : { ممسكات رحمته }{[9901]} .


[9900]:لعله يريد: تمكن من أن يجبرهم على ذلك، وأقرب معاني(تقعدته) في اللسان إلى هذا أنها تأتي بمعنى: ربثته عن حاجته وعقته، أو حبسته عنها.
[9901]:التنوين هو في الأصل، وهو اختيار أبي عبيد، وأبي حاتم، قالوا لأنه اسم فاعل في معنى الاستقبال، وإذا كان كذلك كان التنوين أجود، قال الشاعر: الضاربون عميرا عن بيوتهم بالليل يوم عمير ظالم عادي ولو كان ماضيا لم يجز فيه التنوين، على أن حذف التنوين كثير في كلام العرب، قال تعالى: {هديا بالغ الكعبة}، وقال:{إنا مرسلوا الناقة}.