تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَبَؤُاْ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ قَوۡمِ نُوحٖ وَعَادٖ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَا يَعۡلَمُهُمۡ إِلَّا ٱللَّهُۚ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَرَدُّوٓاْ أَيۡدِيَهُمۡ فِيٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَقَالُوٓاْ إِنَّا كَفَرۡنَا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ وَإِنَّا لَفِي شَكّٖ مِّمَّا تَدۡعُونَنَآ إِلَيۡهِ مُرِيبٖ} (9)

{ 9 - 12 } { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ * قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ *قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ }

يقول تعالى مخوفا عباده ما أحله بالأمم المكذبة حين جاءتهم الرسل ، فكذبوهم ، فعاقبهم بالعقاب العاجل الذي رآه الناس وسمعوه فقال : { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ } وقد ذكر الله قصصهم في كتابه وبسطها ، { وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ } من كثرتهم وكون أخبارهم اندرست .

فهؤلاء كلهم { جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ } أي : بالأدلة الدالة على صدق ما جاءوا به ، فلم يرسل الله رسولا إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر ، فحين أتتهم رسلهم بالبينات لم ينقادوا لها بل استكبروا عنها ، { فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ } أي : لم يؤمنوا بما جاءوا به ولم يتفوهوا بشيء مما يدل على الإيمان كقوله { يجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ }

{ وَقَالُوا } صريحا لرسلهم : { إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ } أي : موقع في الريبة ، وقد كذبوا في ذلك وظلموا . ولهذا { قَالَتِ } لهم { رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَبَؤُاْ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ قَوۡمِ نُوحٖ وَعَادٖ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَا يَعۡلَمُهُمۡ إِلَّا ٱللَّهُۚ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَرَدُّوٓاْ أَيۡدِيَهُمۡ فِيٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَقَالُوٓاْ إِنَّا كَفَرۡنَا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ وَإِنَّا لَفِي شَكّٖ مِّمَّا تَدۡعُونَنَآ إِلَيۡهِ مُرِيبٖ} (9)

قال ابن جرير : هذا من تمام قيل{[15760]} موسى لقومه{[15761]} .

يعني : وتذكاره إياهم بأيام الله ، بانتقامه من الأمم المكذبة للرسل .

وفيما قال{[15762]} ابن جرير نظر ؛ والظاهر أنه خبر مستأنف من الله تعالى لهذه الأمة ، فإنه قد قيل :

إن قصة عاد وثمود ليست في التوراة ، فلو كان هذا من كلام موسى لقومه وقَصَه عليهم ذلك فلا شك{[15763]} أن تكون هاتان القصتان في " التوراة " ، والله أعلم . وبالجملة فالله تعالى قد قص علينا خبر قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من الأمم المكذبة للرسل ، مما لا يحصي عددهم{[15764]} إلا الله عز وجل أتتهم رسلهم بالبينات ، أي : بالحجج والدلائل الواضحات الباهرات القاطعات .

وقال ابن{[15765]} إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله أنه قال في قوله : { لا يَعْلَمُهُمْ إِلا اللَّهُ } كذب النسابون .

وقال عروة بن الزبير : ما وجدنا أحدا يعرف ما بعد معد بن عدنان .

وقوله : { فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ } اختلف المفسرون في معناه ، فقيل : معناه : أنهم أشاروا إلى أفواه الرسل يأمرونهم{[15766]} بالسكوت عنهم ، لما دعوهم إلى الله ، عز وجل .

وقيل : بل وضعوا أيديهم على أفواههم تكذيبًا لهم .

وقيل : بل هو عبارة عن سكوتهم عن جواب الرسل .

وقال مجاهد ، ومحمد بن كعب ، وقتادة : معناه : أنهم كذبوهم وردوا عليهم قولهم بأفواههم .

قال ابن جرير : وتوجيهه{[15767]} أن " في " ها هنا بمعنى " الباء " ، قال : وقد سمع من العرب : " أدخلك الله بالجنة " يعنون : في الجنة ، وقال الشاعر :

وَأَرْغَبُ فِيهَا عَن لَقيطٍ ورهْطه *** عَن سِنْبس لَسْتُ أرْغَب

يريد : أرغب بها{[15768]} .

قلت : ويؤيد قول مجاهد تفسير ذلك بتمام الكلام : { وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ } فكأن هذا [ والله أعلم ]{[15769]} تفسير لمعنى رَدِّ أيديهم في أفواههم .

وقال سفيان الثوري ، وإسرائيل ، عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص ، عن عبد الله في قوله : { فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ } قال : عضوا عليها غيظا .

وقال شعبة ، عن أبي إسحاق ، أبي هُبَيرَْة ابن مريم ، عن عبد الله أنه قال ذلك أيضا . وقد اختاره عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، ووجهه ابن جرير مختارًا له ، بقوله تعالى عن المنافقين : { وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ } [ آل عمران : 119 ] .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : لما سمعوا كتاب{[15770]} الله عَجبوا ، ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم .

وقالوا : { إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ } يقولون : لا نصدقكم فيما جئتم به ؛ فإن عندنا فيه شكا قويا .


[15760]:- في أ : "قول".
[15761]:- تفسير الطبري (16/529).
[15762]:- في ت ، أ : "قاله".
[15763]:- في ت ، أ : "لأوشك".
[15764]:- في ت ، أ : "عدده".
[15765]:- في ت : "أبو".
[15766]:- في ت : "يأمروهم".
[15767]:- في ت : "ويوجهه"
[15768]:- تفسير الطبري (16/534).
[15769]:- زيادة من ت ، أ.
[15770]:- في ت : "كلام".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَبَؤُاْ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ قَوۡمِ نُوحٖ وَعَادٖ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَا يَعۡلَمُهُمۡ إِلَّا ٱللَّهُۚ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَرَدُّوٓاْ أَيۡدِيَهُمۡ فِيٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَقَالُوٓاْ إِنَّا كَفَرۡنَا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ وَإِنَّا لَفِي شَكّٖ مِّمَّا تَدۡعُونَنَآ إِلَيۡهِ مُرِيبٖ} (9)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاّ اللّهُ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيّنَاتِ فَرَدّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فِيَ أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوَاْ إِنّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنّا لَفِي شَكّ مّمّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ } .

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل موسى لقومه : يا قوم ألَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ يقول : خبر الذين من قبلكم من الأمم التي مضت قبلكم ، قَوْمِ نُوحِ وعادٍ وَثُمودَ وقوم عاد فبين بهم عن «الذين » ، وعاد معطوف بها على قوم نوح . وَالّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ يعني : من بعد قوم نوح وعاد وثمود . لا يَعْلَمُهُمْ إلاّ اللّهُ يقول : لا يحصي عددهم ولا يعلم مبلغهم إلا الله . كما :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ابن ميمون : وَعادٍ وَثمُودَ وَالّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إلاّ اللّهُ قال : كذب النسابون .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله بن مسعود بمثل ذلك .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، قال : حدثنا ابن مسعود ، أنه كان يقرؤها : «وعادا وثَمُودَ وَالّذِينَ مِنْ بَعْدَهِمْ لا يَعْلَمُهُم إلاّ اللّهُ » ثم يقول : كذب النسابون .

حدثني ابن المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عيسى بن جعفر ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله ، مثله .

وقوله : جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالبَيّناتِ يقول : جاءت هؤلاء الأمم رسلهم الذين أرسلهم الله إليهم بدعائهم إلى إخلاص العبادة له بالبينات ، يعني بالحجج الواضحات والدلالات البينات الظاهرات على حقيقة ما دعوهم إليه من معجزات .

وقوله : فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ فِي أفْوَاهِهِمْ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : فعضوا على أصابعهم تغيظا عليهم في دعائهم إياهم ما دعوهم إليه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى ، قالا : حدثنا عبد الرحمن ، قال حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله : فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ في أفْوَاهِهِمْ قال : عضوا عليها تغيظا .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوريّ ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، في قوله : فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ فِي أفْوَاهِهِمْ قال : غيظا هكذا . وعض يده .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله : فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ فِي أفْوَاهِهِمْ قال : عضوها ،

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن رجاء البصري ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله في قول الله عزّ وجلّ : فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ فِي أفْوَاهِهِمْ قال : عضوا على أصابعهم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله : فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ فِي أفْوَاهِهِمْ قال : عضوا على أطراف أصابعهم .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن هبيرة عن عبد الله أنه قال في هذه الاَية : فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ فِي أفْوَاهِهِمْ قال : أن يجعل إصبعه في فيه .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا أبو قطن ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن هبيرة ، عن عبد الله في قول الله عزّ وجلّ : فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ فِي أفْوَاهِهِمْ ووضع شعبة أطراف أنامله اليسرى على فيه .

حدثنا الحسن ، قال : حدثنا يحيى بن عبّاد ، قال : حدثنا شعبة ، قال : أخبرنا أبو إسحاق ، عن هبيرة ، قال : قال عبد الله : فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ فِي أفْوَاهِهِمْ قال : هكذا ، وأدخل أصابعه في فيه .

حدثنا الحسن ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا شعبة ، قال أبو إسحاق : أنبأنا عن هبيرة ، عن عبد الله أنه قال في هذه الاَية : فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ فِي أفْواهِهِمْ قال أبو عليّ : وأرانا عفان ، وأدخل أطراف أصابع كفه مبسوطة في فيه ، وذكر أن شعبة أراه كذلك .

حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله : فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ فِي أفْوَاهِهِمْ قال : عضوا على أناملهم . وقال سفيان : عضوا غيضا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ في أفْوَاهِهِمْ فقرأ : عَضّوا عَلَيْكُمْ الأنامِلَ مِنَ الغَيْظِ قال : ومعنى : رَدّوا أيْدِيَهُمْ فِي أفْوَاهِهِمْ فقرأ : عَضّوا عَلَيْكُمْ الأنامِلَ مِنَ الغَيْظِ قال : ومعنى : رَدّوا أيْدِيَهُمْ فِي أفْوَاهِهِمْ قال : أدخلوا أصابعهم في أفواههم ، وقال : إذا اغتاظ الإنسان عضّ يده .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : أنهم لما سمعوا كتاب الله عجبوا منه ، ووضعوا أيديهم على أفواههم . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ فِي أفْوَاهِهِمْ قال : لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم .

وقال آخرون : بل معنى ذلك أنهم كذّبوهم بأفواههم . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد «ح » وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : فَرَدّوا أيْدِيِهُمْ فِي أفْوَاهِهِمْ قال : ردّوا عليهم قولهم وكذبوهم .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَبَؤُاْ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ قَوۡمِ نُوحٖ وَعَادٖ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَا يَعۡلَمُهُمۡ إِلَّا ٱللَّهُۚ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَرَدُّوٓاْ أَيۡدِيَهُمۡ فِيٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَقَالُوٓاْ إِنَّا كَفَرۡنَا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ وَإِنَّا لَفِي شَكّٖ مِّمَّا تَدۡعُونَنَآ إِلَيۡهِ مُرِيبٖ} (9)

{ ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود } من كلام موسى عليه الصلاة والسلام أو كلام مبتدأ من الله . { والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله } جملة وقعت اعتراضا ، أو الذين من بعدهم عطف على ما قبله ولا يعلمهم اعتراض ، والمعنى أنهم لكثرتهم لا يعلم عددهم إلا الله ، ولذلك قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه كذب النسابون . { جاءتهم رسلهم بالبينات فردّوا أيديهم في أفواههم } فعضوها غيظا مما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام كقوله تعالى : { عضوا عليكم الأنامل من الغيظ } . أو وضعوها عليها تعجبا منه أو استهزاء عليه كمن غلبه الضحك ، أو إسكاتا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأمرا لهم بإطباق الأفواه ، أو أشاروا بها إلى ألسنتهم وما نطقت به من قولهم : { إنا كفرنا } تنييها على أن لا جواب لهم سواه أو ردوها في أفواه الأنبياء يمنعونهم من التكلم ، وعلى هذا يحتمل أن يكون تمثيلا . وقيل الأيدي بمعنى الأيادي أي ردوا أيادي الأنبياء التي هي مواعظهم وما أوحي إليهم من الحكم والشرائع في أفواههم ، لأنهم إذا كذبوها ولم يقبلوها فكأنهم ردوها إلى حيث جاءت منه . { وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به } على زعمكم . { وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه } من الإيمان وقرئ " تدعونا " بالإدغام . { مُريب } موقع في الريبة أو ذي ريبة وهي قلق النفس وأن لا تطمئن إلى الشيء .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَبَؤُاْ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ قَوۡمِ نُوحٖ وَعَادٖ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَا يَعۡلَمُهُمۡ إِلَّا ٱللَّهُۚ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَرَدُّوٓاْ أَيۡدِيَهُمۡ فِيٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَقَالُوٓاْ إِنَّا كَفَرۡنَا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ وَإِنَّا لَفِي شَكّٖ مِّمَّا تَدۡعُونَنَآ إِلَيۡهِ مُرِيبٖ} (9)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم خوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية لئلا يكذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه: {ألم يأتكم نبؤا}، يعني حديث، {الذين من قبلكم} من الأمم؛ حديث {قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم} من الأمم التي عذبت، عاد، وثمود، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وغيرهم، {لا يعلمهم}، يعني لا يعلم عدتهم أحد، {إلا الله} عز وجل، {جاءتهم رسلهم بالبينات}... {فردوا أيديهم في أفواههم}، يقول: وضع الكفار أيديهم في أفواههم، ثم قالوا للرسل: اسكتوا، فإنكم كذبة، يعنون الرسل، وأن العذاب ليس بنازل بنا في الدنيا، {وقالوا} للرسل: {إنا كفرنا بما أرسلتم به}، يعني بالتوحيد، {وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب} يعني بالريبة أنهم لا يعرفون شكهم...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل موسى لقومه: يا قوم "ألَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ "يقول: خبر الذين من قبلكم من الأمم التي مضت قبلكم؛ "قَوْمِ نُوحِ وعادٍ وَثُمودَ"... "وَالّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ" يعني: من بعد قوم نوح وعاد وثمود. "لا يَعْلَمُهُمْ إلاّ اللّهُ" يقول: لا يحصي عددهم ولا يعلم مبلغهم إلا الله...

وقوله: "جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالبَيّناتِ" يقول: جاءت هؤلاء الأمم رسلهم الذين أرسلهم الله إليهم بدعائهم إلى إخلاص العبادة له "بالبينات"، يعني بالحجج الواضحات والدلالات البينات الظاهرات على حقيقة ما دعوهم إليه من معجزات.

وقوله: "فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ فِي أفْوَاهِهِمْ": اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛ فقال بعضهم: معنى ذلك: فعضوا على أصابعهم تغيظا عليهم في دعائهم إياهم ما دعوهم إليه... وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهم لما سمعوا كتاب الله عجبوا منه، ووضعوا أيديهم على أفواههم...

وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهم كذّبوهم بأفواههم... عن مجاهد، في قول الله: "فَرَدّوا أيْدِيِهُمْ فِي أفْوَاهِهِمْ" قال: ردّوا عليهم قولهم وكذبوهم... وكأنّ مجاهدًا وجَّه قوله: (فردُّوا أيديهم في أفواههم)، إلى معنى: ردُّوا أيادي الله التي لو قبلوها كانت أياديَ ونعمًا عندهم، فلم يقبلوها، ووجَّه قوله: (في أفواههم)، إلى معنى: بأفواههم، يعني: بألسنتهم التي في أفواههم... وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهم كانوا يَضَعُون أيديهم على أفواه الرّسل ردًّا عليهم قولَهم، وتكذيبًا لهم...

.

وقال آخرون: هذا مَثَلٌ، وإنما أُرِيد أنهم كفُّوا عَمَّا أُمروا بقَوْله من الحق، ولم يؤمنوا به ولم يسلموا. وقال: يقال لِلرَّجل إذا أمسَك عن الجواب فلم يجبْ: ردّ يده في فمه. وذكر بعضهم أن العرب تقول: كلمت فلانًا في حاجة فرَدّ يدَه في فيه، إذا سكت عنه فلم يجب.

وهذا أيضًا قول لا وَجْه له، لأن الله عزَّ ذكره، قد أخبر عنهم أنهم قالوا: "إنا كفرنا بما أرسلتم به"، فقد أجابوا بالتكذيب...

وأشبه هذه الأقوال عندي بالصواب في تأويل هذه الآية... أنهم ردُّوا أيديهم في أفواههم، فعضُّوا عليها، غيظاً على الرسل، كما وصف الله جل وعز به إخوانهم من المنافقين، فقال: (وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) [سورة آل عمران: 119]. فهذا هو الكلام المعروف والمعنى المفهوم من ردِّ اليدِ إلى الفم.

وقوله: (وقالوا إنّا كفرنا بمَا أرسلتم به)، يقول عز وجل: وقالوا لرسلهم: إنا كفرنا بما أرسلكم به مَنْ أرسلكم، من الدعاء إلى ترك عبادة الأوثان والأصنام (وإنا لفي شك) من حقيقة ما تدعوننا إليه من توحيد الله (مُريب)، يقول: يريبنا ذلك الشك، أي يوجب لنا الريبَة والتُّهمَةَ فيه...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يشبه أن يكون الخطاب لأهل الإيمان منهم والرسل؛ خاطبهم عز وجل تصبيرا وتنبيها على تكذيب الكفرة إياهم واستهزائهم بهم، فقال: {ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم} أي قد أتاكم خبر الذين من قبلكم، ما فيه مَزْجَرُ لكم عن مثل معاملتهم الرسول.. ويحتمل أن يكون الخطاب لأهل الكفر منهم؛ يقول: {ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم} أي قد أتاكم خبر الذين من قبلكم [أن ما] نزل بهم بتكذيبهم الرسل واستهزائهم بأتباعهم، فينزل بكم ما نزل بهم، لأن الذي أنزل ذلك عليهم حي قادر على إنزال مثله. فيخرج ذلك مخرج التوبيخ والتعيير والوعيد ليحذروا من صنيعهم، والله أعلم.

{لا يعلمهم إلا الله} فيه دلالة أن تكلف معرفة الأنساب وحفظها شغل وتكلف، لأنه أخبر أن فيهم من لا [يعلم ذلك] {لا يعلمهم إلا الله}...

ويحتمل قوله: {إنا كفرنا بما أرسلتم به} من إثبات الرسالة وإقامة الحجة عليها {وإنا لفي شك مما تدعونا إليه مريب} من التصديق بالرسالة والنبوة. [وقوله] هذا يدل أنهم كانوا على شك مما يعبدون من الأوثان والأصنام، لأنه لو كان لهم بيان في ذلك وحجة ودعاء إليه لكانوا لا يقولون: {وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب} ولكن كانوا يقطعون فيه القول، فدل أنهم كانوا على شك وريب في عبادتهم الأصنام والأوثان التي عبدوها...

.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

...النبأ: الخبر عما يعظم شأنه...

"وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب" والريب: أخبث الشك المتهم، وهو الذي يأتي بما فيه التهمة، ولذلك وصفوا به الشك أي أنه يوجب تهمة ما أتيتم به...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

... {فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} فعضوها غيظاً وضجراً مما جاءت به الرسل، كقوله: {عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الانامل مِنَ الغيظ} [آل عمران: 119] أو ضحكاً واستهزاء كمن غلبه الضحك فوضع يده على فيه. أو وأشاروا بأيديهم إلى ألسنتهم وما نطقت به من قولهم {إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ} أي هذا جوابنا لكم ليس عندنا غيره، إقناطاً لهم من التصديق. ألا ترى إلى قوله: {فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِى أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ} وهذا قول قوي. أو وضعوها على أفواههم يقولون للأنبياء: أطبقوا أفواهكم واسكتوا. أو ردّوها في أفواه الأنبياء يشيرون لهم إلى السكوت. أو وضعوها على أفواههم يسكتونهم ولا يذرونهم يتكلمون. وقيل: الأيدي، جمع يد وهي النعمة بمعنى الأيادي، أي: ردوا نعم الأنبياء التي هي أجل النعم من مواعظهم ونصائحهم وما أوحي إليهم من الشرائع والآيات في أفواههم، لأنهم إذا كذبوها ولم يقبلوها، فكأنهم ردوها في أفواههم ورجعوها [إلى حيثُ جاءت] منه على طريق المثل {مّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ} من الإيمان بالله...

لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن 741 هـ :

المقصود منه حصول العبرة بأحوال من تقدم وهلاكهم...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما حذرهم انتقام الله إن كفروا، ذكرهم أيامه في الأمم الماضية، وعين منهم الثلاثة الأولى لأنهم كانوا أشدهم أبداناً، وأكثرهم أعواناً، وأقواهم آثاراً، وأطولهم أعماراً، لأن البطش إذا برز إلى الوجود كان أهول، لأن النفس للمحسوس أقبل، فقال دالاً على ما أرشدهم إليه من غناه سبحانه وحمده مخوفاً لهم من سطوات الله سبحانه: {ألم يأتكم} أي يا بني إسرائيل {نبأ الذين} ولما كان المراد قوماً مخصوصين لم يستغرقوا الزمان قال: {من قبلكم} ثم أبدل منهم فقال: {قوم} أي نبأ قوم {نوح} وكانوا ملء الأرض {و} نبأ {عاد} وكانوا أشد الناس أبداناً وأثبتهم جناناً {و} نبأ {ثمود} وكانوا أقوى الناس على نحت الصخور وبناء القصور {و} نبأ {الذين} ولما كان المراد البعض، أدخل الجار فقال: {من بعدهم} أي في الزمن حال كونهم في الكثرة بحيث {لا يعلمهم} أي حق العلم على التفصيل {إلا الله} أي الذي له الإحاطة الكاملة، كفروا فأهلكهم الله ولم يزل غنياً حميداً عند أخذهم وبعده كما كان قبله... ثم فصل سبحانه خبرهم، فقال -جواباً لمن كأنه قال: ما كان نبأهم؟ {جاءتهم رسلهم بالبينات} وترك عطفه لشدة التباسه بالمستفهم عنه {فردوا} أي الأمم عقب مجيء الرسل من غير تأمل جامعين في تكذيبهم بين الفعل والقول {أيديهم في أفواههم} وهو إشارة إلى السكوت عن ذلك والتسكيت، كأنه لا يليق أن يتفوه ولو على سبيل الرد... {و} بعد أن فعلوا ذلك لهذه الأغراض الفاسدة {قالوا} أي الأمم {إنا كفرنا} أي غطينا مرائي عقولنا مستهينين {بما} ولما كان رد الرسالة جامعاً للكفر، وكانوا غير مسلّمين أن المرسل لهم هو الله، بنوا للمفعول قولهم: {أرسلتم به} أي لأنكم لم تأتونا بما يوجب الظن فضلاً عن القطع، فلذا لا يحتاج رده إلى تأمل...

ولما كان ما أتى به الرسل يوجب القطع بما يعلمه كل أحد، فكانوا بما قالوه في مظنة الإنكار، أكدوا: {وإنا لفي شك} أي محيط بنا... {مريب} أي موجب للتهمة وموقع في الشك والاضطراب والفزع...

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

ثم شرَع في الترهيب بتذكير ما جرى على الأمم الخالية فقال: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ} ليتدبروا ما أصاب كلَّ واحد من حزبي المؤمن والكافر فيُقلعوا عما هم عليه من الشر ويُنيبوا إلى الله تعالى...

{وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ} أي على زعمكم وهي البيناتُ التي أظهروها حجةً على صحة رسالاتِهم كقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بآياتنا} [هود، الآية 96]، ومرادُهم بالكفر بها الكفرُ بدِلالتها على صحة رسالاتِهم...

فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :

... وقد قيل: كيف صرحوا بالكفر ثم أمرهم على الشك؟ وأجيب بأنهم أرادوا إنا كافرون برسالتكم وإن نزلنا عن هذا المقام فلا أقل من أنا نشك في صحة نبوّتكم. ومع كمال الشك لا مطمع في الاعتراف بنبوتكم...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ويستمر موسى في بيانه وتذكيره لقومه. ولكنه يتوارى عن المشهد لتبرز المعركة الكبرى بين أمة الأنبياء والجاهليات المكذبة بالرسل والرسالات. وذلك من بدائع الأداء في القرآن، لإحياء المشاهد، ونقلها من حكاية تروى إلى مشهد ينظر ويسمع، وتتحرك فيه الشخوص، وتتجلى فيه السمات والانفعالات.. والآن إلى الساحة الكبرى التي يتلاشى فيها الزمان والمكان:... وهنا نشهد الرسل الكرام في موكب الإيمان، يواجهون البشرية متجمعة في جاهليتها. حيث تتوارى الفواصل بين أجيالها وأقوامها. وتبرز الحقائق الكبرى مجردة عن الزمان والمكان. كما هي في حقيقة الوجود خلف حواجز الزمان والمكان: (ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم: قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله؟).. فهم كثير إذن، وهناك غير من جاء ذكرهم في القرآن. ما بين ثمود وقوم موسى. والسياق هنا لا يعني بتفصيل أمرهم، فهناك وحدة في دعوة الرسل ووحدة فيما قوبلت به: (جاءتهم رسلهم بالبينات).. الواضحات التي لا يلتبس أمرها على الإدراك السليم. (فردوا أيديهم في أفواههم، وقالوا: إنا كفرنا بما أرسلتم به؛ وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب).. ردوا أيديهم في أفواههم كما يفعل من يريد تمويج الصوت ليسمع عن بعد، بتحريك كفه أمام فمه وهو يرفع صوته ذهابا وإيابا فيتموج الصوت ويسمع. يرسم السياق هذه الحركة التي تدل على جهرهم بالتكذيب والشك، وإفحاشهم في هذا الجهر، وإتيانهم بهذه الحركة الغليظة التي لا أدب فيها ولا ذوق، إمعانا منهم في الجهر بالكفر...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

إنهم بعد أن أُجمل لهم الكلام في قوله تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} [سورة إبراهيم: 4] الآية، ثم فُصّل بأن ضُرب المثل للإِرسال إليهم لغرض الإخراج من الظلمات إلى النور بإرسال موسى عليه السلام لإخراج قومه، وقُضي حق ذلك عقبه بكلام جامع لأحوال الأمم ورسلهم، فكان بمنزلة الحوصلة والتذييل مع تمثيل حالهم بحال الأمم السالفة وتشابه عقلياتهم في حججهم الباطلة وردّ الرسل عليهم بمثل ما رَدّ به القرآن على المشركين في مواضع، ثم ختم بالوعيد...

ومعنى {فردوا أيديهم في أفواههم} يحتمل عدة وجوه... وأولاها بالاستخلاص أن يكون المعنى: أنهم وضعوا أيديهم على أفواههم إخفاء لشدة الضحك من كلام الرسل كراهية أن تظهر دواخل أفواههم. وذلك تمثيل لحالة الاستهزاء بالرسل. والردّ: مستعمل في معنى تكرير جعل الأيدي في الأفواه كما أشار إليه « الراغب». أي وضعوا أيديهم على الأفواه ثم أزالوها ثم أعادوا وضعها فتلك الإعادة رَدّ...

فمعنى ردّوا أيديهم في أفواههم} جعلوا أيديهم على أفواههم...

وأكّدوا كفرهم بما جاءت به الرسل بما دلّت عليه {إنّ} وفعل المضيّ في قوله: {إنا كفرنا}. وسموا ما كفروا به مُرسلاً به تهكماً بالرسل...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

معنى {ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح...} إلخ، قد جاءكم نبأ الذين من قبلكم قوم.. {والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله} ومن هم الذين من بعد هؤلاء، ولم يعلم مآلهم إلا الله تعالى. أحسب أن المراد بهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين كفروا برسالته، ويعاندون فيها، ويؤذون المؤمنين، ويسفهون قول الرسول صلى الله عليه وسلم، ويصرون على عبادة الأوثان. ويكون قوله تعالى: {والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله} تهديد لهم، وحمل لهم على المقايسة بينهم وبين غيرهم، فإذا كان نبأ الغابرين هلاكهم، فليقيسوا حالهم على حال أولئك الغابرين...

التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :

يلفت النظر إلى التماثل بين ما تحكيه الآيات من موقف كفار الأمم السابقة وأقوالهم، وما حكته آيات عديدة مرت أمثلة منها من موقف كفار العرب وأقوالهم ومجادلتهم وتهديدهم للنبي والمؤمنين بالإخراج وأذيتهم لمن يقدرون على أذيته منهم. وكذلك التماثل بين ما تحكيه من أقوال الأنبياء وردودهم وبين ما حكته آيات عديدة مرت أمثلة منها من موقف النبي وردوده على الكفار بلسان القرآن. وواضح أن هذا التماثل يزيد في قوة تأثير الآيات في السامعين من جهة وفي تطمين النبي والمؤمنين وتسليتهم من جهة أخرى، وهو ما استهدفته الآيات كما هو المتبادر...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

والبينات إما أن تكون المعجزات الدالة على صدقهم؛ أو: هي الآيات المشتملة على الأحكام الواضحة التي تُنظّم حركة حياتهم لتُسعدهم...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

الآية تستخدم أسلوب التذكير بالتاريخ للبرهان على النتائج السلبية للكفر والانحراف، من خلال ما عاشه الكافرون من عذاب الله في الدنيا قبل الآخرة، بغرض ردع الكافرين المتأخرين، عندما يقفون أمام المعادلة الإلهية التي لا تفرق بين الماضي والحاضر في أساس الثواب والعقاب، فإذا كان كفر أولئك سبباً في نزول العذاب، فإن كفر هؤلاء لن يكون بعيداً عن استحقاقهم لما استحقه أولئك الذين {جَآءتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} التي تفتح عقولهم بالحجة الواضحة والبرهان القاطع على الحقيقة من أقرب طريق، ودعوهم للإيمان على هذا الأساس ليفكروا ويتأملوا ويقتنعوا،

{فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} تعبيراً عن الغيظ، فقد ذُكِر أن رد اليد إلى الفم يمثل مظهراً حيّاً للإعراض ولشدّة الغيظ، {وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ}، لأننا لم نقتنع به بديلاً عن عقيدة الشرك لدى الاباء والأجداد،

{وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ}، بل إننا في شك يتزايد في مضمون الدعوة وشكلها وصاحبها، كلما امتدت الدعوة فينا... وقد نلاحظ أن هؤلاء يحاولون التهرُّب من خط الالتزام بمثل هذه الادّعاءات، لأن القضية لو كانت قضية الشك الجدّي في مضمون الدعوة، لكان من المفروض أن يقفوا ليدخلوا في تفاصيل العقيدة ومسائل الدعوة، ليثيروا علامات الاستفهام حول النقاط المثيرة للريب، الباعثة على الشك، ولكنهم تركوا القضية في دائرة الإبهام والغموض، ليثيروا الضباب، وليهربوا من حركة المسؤولية في خط الحوار. وهذا هو ديدن كثير ممن لا يريدون مواجهة الدعوة بمسؤولية فكراً وممارسة، فيلجؤون إلى الإيحاء بالشك من زاويةٍ فكرية يبحثون من خلالها عن اليقين، في حين أنهم ينطلقون من مواقع العناد الذي لا يريدون التعبير عنه بصراحة...