غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَبَؤُاْ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ قَوۡمِ نُوحٖ وَعَادٖ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَا يَعۡلَمُهُمۡ إِلَّا ٱللَّهُۚ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَرَدُّوٓاْ أَيۡدِيَهُمۡ فِيٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَقَالُوٓاْ إِنَّا كَفَرۡنَا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ وَإِنَّا لَفِي شَكّٖ مِّمَّا تَدۡعُونَنَآ إِلَيۡهِ مُرِيبٖ} (9)

1

وقوله : { ألم يأتكم } يحتمل أن يكون خطاباً من موسى لقومه والغرض تخويفهم بمثل هلاك من تقدم من القرون فيكون داخلاً تحت التذكير بأيام الله ، واحتمل أن يكون مخاطبة من الله على لسان موسى لقومه يذكرهم أمر القرون الأولى قاله أبو مسلم . والأكثرون على أنه ابتداء مخاطبة لقوم الرسول صلى الله عليه وسلم تحذيراً لهم عن مخالفته . وقوله : { والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله } إن كان جملة من مبتدأ وخبره فالمجموع اعتراض وإن كان قوله : { والذين من بعدهم } معطوفاً على قوم نوح فقوله : { لا يعلمهم إلا الله } وحده اعتراض . ثم إن عدم العلم إما أن يكون راجعاً إلى صفاتهم بأن تكون أحوالهم وأخلاقهم ومدد أعمارهم غير معلومة ، وإما أن يكون عائداً إلى ذواتهم بأن يكون فيما بين القرون أقوام ما بلغنا أخبارهم كما روي عن ابن عباس : بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أباً لا يعرفون . وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه الآية قال : كذب النسابون يعني أنهم يدعون علم الأنساب وقد نفى الله علمها عن العباد . ونظير الآية قوله : { وقروناً بين ذلك كثيراً } [ الفرقان : 38 ] { منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك } [ غافر : 78 ] قال القاضي : وعلى هذا الوجه لا يمكن القطع بمقدار السنين من لدن آدم عليه السلام إلى هذا الوقت لأنه لو أمكن ذلك لم يبعد تحصيل العلم بالأنساب الموصولة . ثم إنه تعالى حكى عن هؤلاء الأقوام أنهم لما { جاءتهم رسلهم بالبينات } أتوا بأمور أحدها { فردوا أيديهم في أفواههم } وفيه قولان : أحدهما أن المراد باليد والفم الجارحتان ، وعلى هذا فيه احتمالان : الأول أن الكفار ردّوا أيديهم في أفواههم فعضوها غيظاً وضجراً مما جاءت به الرسل كقوله :

{ عضوا عليكم الأنامل من الغيظ } [ آل عمران : 119 ] . قاله ابن عباس وابن مسعود وهو الأظهر ، أو وضعوا الأيدي على الأفواه ضحكاً واستهزاء كمن غلبه الضحك ، أو وضعوا أيديهم على أفواههم مشيرين بذلك إلى الأنبياء أن قفوا عن هذا الكلام واسكتوا عن ذكر هذا الحديث قاله الكلبي ، أو أشاروا بأيديهم إلى ألسنتهم وإلى ما تكلموا به من قولهم { إنا كفرنا بما أرسلتم به } أي هذا جوابنا لكم ليس عندنا غيره إقناطاً لهم من التصديق ، وهذا قول قويّ لعطف قوله : { وقالوا } على قوله : { فردّوا } الاحتمال الثاني : أن تكون الضمائر راجعة إلى الرسل والمراد أن الرسل لما أيسوا منهم سكتوا ووضعوا أيدي أنفسهم على أفواه أنفسهم أرادوا أنهم لا يعودون إلى ذلك الكلام ألبتة . أو يكون الضميران الأخيران راجعين إلى الرسل ، والمعنى أن الكفار أخذوا أيدي الرسل ووضعوها على أفواههم ليسكتوهم ويقطعوا كلامهم ، أو يكون الضمير الأخير فقد عائداً على الرسل والمراد أن الكفار لما سمعوا وعظ الأنبياء ونصائحهم أشاروا بأيديهم إلى أفواه الرسل تكذيباً لهم وردّاً عليهم ، أو وضعوا أيديهم على أفواه الأنبياء منعاً لهم من الكلام فهذه جملة الاحتمالات على القول الأول . القول الثاني : أن ذكر اليد والفم توسع ومجاز . عن أبي مسلم : أن المراد باليد ما نطقت به الرسل بأفواههم من الحجج لأن دلائل الوحي من أجل النعم لأنهم إذا كذبوا الآيات ولم يقبلوها فكأنهم ردّوها إلى حيث جاءت منه على طريق المثل . ونقل محمد بن جرير عن بعضهم أنه يقال للرجل إذا أمسك عن الجواب ردّ يده في فيه . فمعنى الآية أنهم سكتوا عن الجواب ، وزيف بأنهم قد أجابوا بالتكذيب وقالوا : إنا كفرنا بما أرسلتم به . والمراد بما زعمتم أن الله أرسلكم به وكأنهم في أوّل الأمر حاولوا إسكات الأنبياء ، وفي المرتبة الثانية صرحوا بتكذيبهم ، وفي الثالثة قالوا : { وإنا لفي شك } وقد مر مثله في سورة هود . فإن قلت : كيف صرحوا بالكفر ثم بنوا أمرهم على الشك ؟ قلنا : أرادوا إنا كافرون برسالتكم وإن نزلنا عن هذا المقام فلا أقل من أنا نشك في صحة نبوتكم ، ومع كمال الشك لا مطمع في الاعتراف بنبوتكم .

/خ17