لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَبَؤُاْ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ قَوۡمِ نُوحٖ وَعَادٖ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَا يَعۡلَمُهُمۡ إِلَّا ٱللَّهُۚ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَرَدُّوٓاْ أَيۡدِيَهُمۡ فِيٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَقَالُوٓاْ إِنَّا كَفَرۡنَا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ وَإِنَّا لَفِي شَكّٖ مِّمَّا تَدۡعُونَنَآ إِلَيۡهِ مُرِيبٖ} (9)

{ ألم يأتكم نبأ } يعني خبر { الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود } قال بعض المفسرين : يحتمل أن يكون هذا خطاباً من موسى لقومه ، والمقصود منه أنه عليه الصلاة والسلام يذكرهم بأمر القرون الماضية والأمم الخالية والمقصود منه حصول العبرة بأحوال من تقدم وهلاكهم { والذين من بعدهم } يعني من بعد هؤلاء الأمم الثلاثة { لا يعلمهم إلا الله } يعني لا يعلم كنه مقاديرهم وعددهم إلا الله لأن علمه محيط بكل شيء { ألا يعلم من خلق } وقيل : المراد بقوله والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله أقوام وأمم ما بلغنا خبرهم أصلاً ومنه قوله : { وقروناً بين ذلك كثيراً } وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه الآية يقول : كذب النسابون . يعني أنهم يدعون علم النسب إلى آدم ، وقد نفى الله علم ذلك عن العباد . وعن عبد الله بن عباس أنه قال : بين إبراهيم وعدنان ثلاثون قرناً لا يعلمهم إلا الله وكان مالك بن أنس يكره أن ينسب الإنسان نفسه أباً أباً إلى آدم ، لأنه لا يعلم أولئك إلا الله . وقوله تعالى { جاءتهم رسلهم بالبينات } يعني بالدلالات الواضحات والمعجزات الباهرات { فردوا أيديهم في أفواههم } . وفي معنى الأيدي والأفواه قولان : أحدهما أن المراد بهما هاتان الجارحتان المعلومتان ثم في معنى ذلك وجوه . قال ابن مسعود : عضوا أيديهم غيظاً . وقال ابن عباس : لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم . وقال مجاهد وقتادة : كذبوا الرسل وردوا ما جاؤوا به . يقال : رددت قول فلان في فيه أي كذبته . وقال الكلبي : يعني أن الأمم ردوا أيديهم إلى أفواه أنفسهم ، يعني أنهم وضعوا الأيدي على الأفواه إشارة منهم إلى الرسل أن اسكتوا . وقال مقاتل : ردوا أيديهم إلى أفواه الرسل يسكتونهم بذلك وقيل : إن الأمم لما سمعوا كلام الرسل عجبوا منه . وضحكوا على سبيل السخرية فعند ذلك ردوا أيديهم في أفواههم كما يفعل الذي غلبه الضحك . القول الثاني : أن المراد بالأيدي والأفواه غير الجارحتين فقيل المراد بالأيدي النعم ومعناه ردوا ما لو قبلوه لكان نعمة عليهم يقال لفلان عندي يد أي نعمة ، والمراد بالأفواه وتكذيبهم الرسل والمعنى كذبوهم بأفواههم وردوا قولهم وقيل إنهم كفوا عن قبول ما أمروا بقبوله من الحق ولم يؤمنوا به يقال فلان رد يده إلى فيه إذا أمسك عن الجواب فلم يجب وهذا القول فيه بعد لأنهم قد أجابوا بالتكذيب وهو أن الأمم ردوا على رسلهم { وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به } يعني إنا كفرنا بما زعمتم أن الله أرسلكم به لأنهم لم يقروا بأنهم أرسلوا إليهم لأنهم لو أقروا بأن الرسل أرسلوا إليهم لكانوا مؤمنين { وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب } يعني يوجب الريبة أو يوقع في الريبة والتهمة ، والريبة قلق النفس وأن لا تطمئن إلى الأمر الذي يشك فيه . فإن قلت : إنهم قالوا أولاً إنا كفرنا بما أرسلتم به فكيف يقولون ثانياً وإنا لفي شك والشك دون الكفر أو داخل فيه . قلت : إنهم لما صرحوا بكفرهم بالرسل فكأنهم حصل لهم شبهة توجب لهم الشك فقالوا : إن لم تدع الجزم في كفرنا فلا أقل من أن نكون شاكّين مرتابين في ذلك .