تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗاۖ فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخۡتِمۡ عَلَىٰ قَلۡبِكَۗ وَيَمۡحُ ٱللَّهُ ٱلۡبَٰطِلَ وَيُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (24)

{ 24 } { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }

يعني أم يقول المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم جرأة منهم وكذبا : { افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا } فرموك بأشنع الأمور وأقبحها ، وهو الافتراء على الله بادعاء النبوة والنسبة إلى الله ما هو بريء منه ، وهم يعلمون صدقك وأمانتك ، فكيف يتجرأون على هذا الكذب الصراح ؟

بل تجرأوا بذلك على الله تعالى ، فإنه قدح في الله ، حيث مكنك من هذه الدعوة العظيمة ، المتضمنة -على موجب زعمهم- أكبر الفساد في الأرض ، حيث مكنه الله من التصريح بالدعوة ، ثم بنسبتها إليه ، ثم يؤيده بالمعجزات الظاهرات ، والأدلة القاهرات ، والنصر المبين ، والاستيلاء على من خالفه ، وهو تعالى قادر على حسم هذه الدعوة من أصلها ومادتها ، وهو أن يختم على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يعي شيئا ولا يدخل إليه خير ، وإذا ختم على قلبه انحسم الأمر كله وانقطع .

فهذا دليل قاطع على صحة ما جاء به الرسول ، وأقوى شهادة من الله له على ما قال ، ولا يوجد شهادة أعظم منها ولا أكبر ، ولهذا من حكمته ورحمته ، وسنته الجارية ، أنه يمحو الباطل ويزيله ، وإن كان له صولة في بعض الأوقات ، فإن عاقبته الاضمحلال .

{ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ } الكونية ، التي لا تغير ولا تبدل ، ووعده الصادق ، وكلماته الدينية التي تحقق ما شرعه من الحق ، وتثبته في القلوب ، وتبصر أولي الألباب ، حتى إن من جملة إحقاقه تعالى الحق ، أن يُقَيِّضَ له الباطل ليقاومه ، فإذا قاومه ، صال عليه الحق ببراهينه وبيناته ، فظهر من نوره وهداه ما به يضمحل الباطل وينقمع ، ويتبين بطلانه لكل أحد ، ويظهر الحق كل الظهور لكل أحد .

{ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } أي : بما فيها ، وما اتصفت به من خير وشر ، وما أكنته ولم تبده .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗاۖ فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخۡتِمۡ عَلَىٰ قَلۡبِكَۗ وَيَمۡحُ ٱللَّهُ ٱلۡبَٰطِلَ وَيُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (24)

وقوله : { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ } أي : لو افتريت عليه كذبا كما يزعم هؤلاء الجاهلون { يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ } أي : لَطَبَعَ على قلبك وسلبك ما كان آتاك من القرآن ، كقوله تعالى : { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } [ الحاقة : 44 - 47 ] أي : لانتقمنا منه أشد الانتقام ، وما قدر أحد من الناس أن يحجز عنه .

وقوله : { وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ } ليس معطوفا على قوله : { يختم } فيكون مجزوما ، بل هو مرفوع على الابتداء ، قاله ابن جرير ، قال : وحذفت من كتابته " الواو " في رسم المصحف الإمام ، كما حذفت في {[25862]} قوله : { سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ } [ العلق : 18 ] وقوله : { وَيَدْعُ الإنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ } [ الإسراء : 11 ] .

وقوله : { وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ } معطوف على { وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ } أي : يحققه ويثبته ويبينه ويوضحه بكلماته ، أي : بحججه وبراهينه ، { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } أي : بما تكنه الضمائر ، وتنطوي عليه السرائر .


[25862]:- (3) في ت، أ: "من".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗاۖ فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخۡتِمۡ عَلَىٰ قَلۡبِكَۗ وَيَمۡحُ ٱللَّهُ ٱلۡبَٰطِلَ وَيُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (24)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ كَذِباً فَإِن يَشَإِ اللّهُ يَخْتِمْ عَلَىَ قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقّ الْحَقّ بِكَلِمَاتِهِ إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ } .

يقول تعالى ذكره : أم يقول هؤلاء المشركون بالله : افْتَرَى محمد على اللّهِ كَذِبا فجاء بهذا الذي يتلوه علينا اختلاقا من قِبَل نفسه . وقوله : فَإنْ يَشأِ اللّهُ يا محمد يطبع على قلبك ، فتنس هذا القرآن الذي أُنزل إليك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : أمْ يَقُولُونَ افْتَرَى على الله كَذِبا ، فإنْ يَشأ اللّهُ يَختْم على قَلْبكَ فينسيك القرآن .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : فإنْ يَشأ اللّهُ يَخْتمْ على قَلْبكَ قال : إن يشأ الله أنساك ما قد أتاك .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قول الله عزّ وجلّ : فإنْ يَشأ اللّهُ يَخْتمْ على قَلْبكَ قال : يطبع .

وقوله : ويَمْحُ اللّهُ الباطِلَ يقول : ويذهب الله بالباطل فيمحقه ويُحِقّ الحَقّ بكَلِماتِهِ التي أنزلها إليك يا محمد فيثبته .

وقوله : وَيمْحُ اللّهُ الباطِلَ في موضع رفع بالابتداء ، ولكنه حُذفت منه الواو في المصحف ، كما حُذفت من قوله : سَنَدْعُ الزّبانيَةَ ومن قوله : وَيَدْعُ الإنْسانُ بالشّرّ وليس بجزم على العطف على يختم .

وقوله : إنّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصّدُورِ يقول تعالى ذكره : إن الله ذو علم بما في صدور خلقه ، وما تنطوي عليه ضمائرهم ، لا يخفى عليه من أمورهم شيء ، يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم : لو حدّثت نفسك أن تفتري على الله كذبا ، لطبعت على قلبك ، وأذهبت الذي آتيتك من وحيي ، لأني أمحو الباطل فأذهبه ، وأحقّ الحقّ ، وإنما هذا إخبار من الله الكافرين به ، الزاعمين أن محمدا افترى هذا القرآن من قِبل نفسه ، فأخبرهم أنه إن فعل لفعل به ما أخبر به في هذه الاَية .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗاۖ فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخۡتِمۡ عَلَىٰ قَلۡبِكَۗ وَيَمۡحُ ٱللَّهُ ٱلۡبَٰطِلَ وَيُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (24)

{ أم يقولون } بل أيقولون . { افترى على الله كذبا } افترى محمد بدعوى النبوة أو القرآن . { فإن يشإ الله يختم على قلبك } استبعاد للافتراء عن مثله بالإشعار على أنه إنما يجترئ عليه من كان مختوما على قلبه جاهلا بربه ، فأما من كان ذا بصيرة ومعرفة فلا ، وكأنه قال : إن يشأ الله خذلانك يختم على قلبك لتجترئ بالافتراء عليه . وقيل يختم على قلبك يمسك القرآن أو الوحي عنه ، أو يربط عليه بالصبر فلا يشق عليك أذاهم . { ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور } استئناف لنفي الافتراء عما يقوله بأنه لو كان مفترى لمحقه إذ من عادته تعالى محو الباطل وإثبات الحق بوحيه أو بقضائه أو بوعده ، بمحو باطلهم وإثبات حقه بالقرآن ، أو بقضائه الذي لا مرد له ، وسقوط الواو من { يمح } في بعض المصاحف لاتباع اللفظ كما في قوله تعالى : { ويدع الإنسان بالشر } .