إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗاۖ فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخۡتِمۡ عَلَىٰ قَلۡبِكَۗ وَيَمۡحُ ٱللَّهُ ٱلۡبَٰطِلَ وَيُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (24)

{ أَمْ يَقُولُونَ } بلْ أيقولونَ { افترى } محمدٌ { عَلَى الله كَذِبًا } بدعوى النبوةِ وتلاوةِ القُرآنِ ، على أنَّ الهمزةَ للإنكار التوبيخي كأنَّه قيلَ : أيتمالكونَ أنْ ينسُبُوا مثلَه عليهِ السَّلامُ . وهُوَ هُوَ . إلى الافتراء لاسيما الافتراءُ على الله الذي هُو أعظمُ الفِرَى وأفحشُها . وقولُه تعالَى { فَإِن يَشَإِ الله يَخْتِمْ على قَلْبِكَ } استشهادٌ على بُطلان ما قالُوا ببيان أنَّه عليه السَّلامُ لو افتَرى على الله تعالَى لمنعَهُ من ذلك قطعاً ، وتحقيقُه أنَّ دعوى كونِ القرآنِ افتراءً عليه تعالَى قولٌ منهم بأنَّه تعالَى لا يشاءُ صدورَهُ عن النبِّي صلى الله عليه وسلم بلْ يشاءُ عدمَ صدورِه عْنهُ ومن ضرورتِه منعُه عنْهُ قطعاً ، فكأنَّه قيلَ : لو كانَ افتراءً عليه تعالَى لشاءَ عدمَ صدورِه عنكَ وإنْ يشأْ ذلكَ يختُم على قلبكَ بحيثُ لم يخطُرْ ببالك معنىً منْ معانيه ولم تنطقْ بحرفٍ من حروفِه وحيثُ لم يكُنِ الأمرُ كذلكَ بلْ تواترَ الوحي حيناً فحيناً تبين أنَّه من عندِ الله تعالَى .

هَذا وقيلَ : المَعْنى إنْ يشأْ يجعلْكَ من المختوم على قلوبهم فإنَّه لا يجترئ على الافتراءِ عليه تعالى إلا مَنْ كانَ كذلكَ ومؤدَّاهُ استبعاد الافتراءِ منْ مثله عليه السَّلامُ وأنَّه في البُعد مثلُ الشرك بالله والدخولِ في جملةِ المختومِ على قلوبِهم . وعن قَتَادةَ يختمْ على قلبِكَ يُنْسكَ القُرآنَ ويقطعْ عنكَ الوَحيَ . يعني لوا افترَى على الله الكذبَ لفعل به ذلك ، وهذا مَعْنى ما قيلَ : لو كذب على الله لأنساهُ القرآنَ ، وقيلَ : يختمْ على قلبِكَ يربطْ عليهِ بالصبرِ حتَّى لا يشقَّ عليك أذاهُم .

{ وَيَمْحُ الله الباطل وَيُحِقُّ الحق بكلماته } استئنافٌ مقررٌ لنفي الافتراء غيرُ معطوفٍ عَلَى يختمُ كما ينبئ عنه إظهارُ الاسمِ الجليلِ ، وسقوطُ الواوِ كما في بعض المصاحفِ لاتّباعِ اللفظِ كما في قولِه تعالى : { وَيَدْعُ الإنسان بالشر }[ سورة الإسراء ، الآية 11 ] أيُ ومن عادته أنَّه تعالَى يمحُو الباطلَ ويثبتُ الحقَّ بوحيهِ أو بقضائِه كقول تعالى : { بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل فَيَدْمَغُهُ } [ سورة الأنبياء ، الآية 18 ] فلو كان افتراءً كما زعمُوا لمحقَةُ ودمغَهُ . أو عِدةٌ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم بأنَّه تعالَى يمحُو الباطلَ الذي هم عليهِ من البَهتِ والتكذيبِ ويثبتُ الحق الذي هو عليهِ بالقرآنِ أو بقضائِه الذي لا مردَّ له بنصرته عليهم . { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور } فيُجرِي عليها أحكامَها اللائقةَ من المحوِ والإثباتِ .