محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗاۖ فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخۡتِمۡ عَلَىٰ قَلۡبِكَۗ وَيَمۡحُ ٱللَّهُ ٱلۡبَٰطِلَ وَيُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (24)

{ أم يقولون افترى على الله كذبا } أي بدعوى النبوة والوحي { فإن يشإ الله يختم على قلبك } قال ابن كثير : أي : لو افتريت عليه كذبا كما يزعم هؤلاء الجاهلون ، يختم على قلبك . أي ؛ يطبع على قلبك ويسلبك ما كان آتاك من القرآن . كقوله :{[6467]} جل جلاله { ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل* لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين } أي لانتقمنا منه أشد الانتقام ، وما قدر أحد من الناس أن يحجز عنه . انتهى .

وهذا تفسير بالأشباه والنظائر من الآيات ، يؤثره كثير من الأئمة ، ما وجد إليه سبيلا . فإن التنزيل يفسّر بعضه بعضا . ومآل الآية على هذا المعنى ، كما أوضحه أبو السعود ، هو الاستشهاد على بطلان ما قالوا ، ببيان أنه عليه السلام لو افترى على الله تعالى ، لمنعه من ذلك قطعا ، فختم على قلبه بحيث لم يخطر بباله معنى من معانيه ، ولم ينطق بحرف من حروفه . وحيث لم يكن الأمر كذلك ، بل تواتر الوحي حينا فحينا ، تبين أنه من عند الله تعالى .

وقال الزمخشري : فإن يشإ الله يجعلك من المختوم على قلوبهم ، حتى تفتري عليه الكذب . فإنه لا يجترئ على افتراء الكذب على الله ، إلا من كان في مثل حالهم . وهذا الأسلوب مؤداه استبعاد الافتراء من مثله ، وإنه في البعد مثل الشرك بالله والدخول في الجملة المختوم على/ قلوبهم . ومثل هذا أن يخوّن بعض الأمناء فيقول : لعل الله خذلني . لعل الله أعمى قلبي . وهو لا يريد إثبات الخذلان وعمى القلب . وإنما يريد استبعاد أن يخون مثله ، والتنبيه على أنه رُكِبَ من تخوينه أمر عظيم . انتهى .

قال الشهاب : فمعناه ، إن يشأ الله يختم على قلبك كما فعل بهم . فهو تسلية له صلوات الله عليه ، وتذكير لإحسانه إليه وإكرامه ، ليشكر ربه ويترحم على من ختم على قلبه ، فاستحق غضب ربه ، ولولا ذلك ما اجترأ على نسبته لما ذكر . ولذا أتى ( بأن ) في موضع ( لو ) إرخاء للعنان ، وتلميحا للبرهان . على أنه لا يتصور وصفه بما ذكروه . فالتفريع بالنظر للمعنى المكنّى عنه . وحاصله أنهم اجترؤوا على هذا المحال ، لأنهم مطبوعون على الضلال . انتهى { ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور } استئناف مقرر لنفي الافتراء عما يقوله عليه الصلاة والسلام ، بأنه لو كان مفترى لمحقه . إذ من سنته تعالى محو الباطل وإثبات الحق بوحيه . فليس { يمح } مجزوما بالعطف على الجزاء ، بل معطوف على مجموع الجملة والكلام السابق . ولذا أعيد لفظ الجلالة ورفع { يحق } . قال الزمخشري : ويجوز أن يكون عدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، بأنه يمحو الباطل الذي هم عليه من البهت والتكذيب ، ويثبت الحق الذي أنت عليه بالقرآن ، وبقضائه الذي لا مردّ له من نصرتك عليهم . إن الله عليم بما في صدرك وصدورهم ، فيجري الأمر على حسب ذلك .


[6467]:[69/ الحاقة/44-47].