اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗاۖ فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخۡتِمۡ عَلَىٰ قَلۡبِكَۗ وَيَمۡحُ ٱللَّهُ ٱلۡبَٰطِلَ وَيُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (24)

قوله : { أَمْ يَقُولُونَ افترى عَلَى الله كَذِباً } اعلم أن الكلام ابتداء من أول هذه السورة في تقرير أن هذا الكتاب إنما حصل بِوَحْي الله تعالى ، قال تعالى : { كَذَلِكَ يوحي إلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ } [ الشورى : 3 ] واتصال الكلام في تقرير هذا المعنى وتعلق بعضه ببعض ( حتى{[49273]} وصل ) إلى هاهنا ، ثم حكى هاهنا ، شبهة القوم وهي قولهم : إن هذا ليس وحياً من الله تعالى فقال : { أَمْ يَقُولُونَ افترى عَلَى الله كَذِباً }{[49274]} . قال الزمخشري : «أم » منقطعة ومعنى الهمزة للتوبيخ{[49275]} والمعنى : أيقع{[49276]} في قلوبهم ويجري على ألسنتهم أن ينسبوا مثله على الافتراء على الله سبحانه وتعالى الذي هو أقبح الأنواع وأفحشها ، ثم أجاب عنه بأن قال : { فَإِن يَشَإِ الله يَخْتِمْ على قَلْبِكَ } قال مجاهد : يربط على قلبك بالصبر حتى لا يشقَّ عليك أذاهم وقولهم : إنه مفتر كذابٌ ، وقال قتادة : يعني يطبع على قبلك فينسيك{[49277]} القرآن وما آتاك فأخبرهم أنه لو افترى على الله كذباً لفعل به ، وما أخبر في هذه الآية{[49278]} فإنه لا يجترئ على افتراء الكذب إلاّ من كان في هذه الحالة والمقصود من هذا الكلام المبالغة في تقرير الاستبعاد ، ومثاله : أن ينسب رجل بعض الأمناء إلى الخيانة فيقول الأمين : لعل الله أعمى قَلْبي ، وهو لا يريد إثبات الخِذلان ولا عَمَى القلب لنفسه وإنما يريد استبعاد صدق الله تعالى الخيانة عنه{[49279]} .

قوله تعالى : { وَيَمْحُ الله الباطل } هذا مستأنف غير داخل في جزاء الشرط ؛ لأنه تعالى يمحو الباطل مطلقاً ، وسقطت الواو منه لفظاً لالتقاء الساكنين في الدَّرج ، وخطَّا حملاً للخطِّ على اللفظ كما كتبوا : { سَنَدْعُ الزبانية } [ العلق : 18 ] عليه ، ولكن ينبغي أن لا يجوز الوقف على هذه الآية لأنه إن وقف عليه بالأصل هو الواو خالفنا خط المصحف وإن وقف عليه بغيرها موافقاً للرسل خالفنا الأصل{[49280]} . وتقدَّم بحث مثل هذا .

وقد منع مكيٌّ الوقف على نحو : { وَمَن تَقِ السيئات } [ غافر : 9 ] . وقال الكسائي : فيه تقديم وتأخير مجازه والله يمح الباطل فهو في محل رفع ، ولكن حذفت منه الواو في المصحف حملاً على اللفظ كما حذفت من قوله : { وَيَدْعُ الإنسان } [ الإسراء : 11 ] { سَنَدْعُ الزبانية } [ العلق : 18 ] .

فصل

أخبر تعالى أن ما يقولونه باطل يمحوه الله «ويُحِقُّ الحَقَّ » أي الإسلام بكلماته ، أي بما أنزل الله تعالى من كتاب ، وقد فعل الله ذلك فمحى باطلهم ، وأعلى كلمة الإسلام «إنَّهُ عَلِيم » بما في صدرك وصدورهم .


[49273]:زيادة من الرازي.
[49274]:المرجع السابق.
[49275]:الكشاف 3/468.
[49276]:في ب ليقع. والتصحيح من الرازي.
[49277]:انظر البغوي وفي ب فيسرك والتصحيح من البغوي.
[49278]:انظر البغوي 6/123.
[49279]:الرازي 27/167 و168.
[49280]:قاله شهاب الدين السمين في الدر المصون 4/755.