قوله : { أَمْ يَقُولُونَ افترى عَلَى الله كَذِباً } اعلم أن الكلام ابتداء من أول هذه السورة في تقرير أن هذا الكتاب إنما حصل بِوَحْي الله تعالى ، قال تعالى : { كَذَلِكَ يوحي إلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ } [ الشورى : 3 ] واتصال الكلام في تقرير هذا المعنى وتعلق بعضه ببعض ( حتى{[49273]} وصل ) إلى هاهنا ، ثم حكى هاهنا ، شبهة القوم وهي قولهم : إن هذا ليس وحياً من الله تعالى فقال : { أَمْ يَقُولُونَ افترى عَلَى الله كَذِباً }{[49274]} . قال الزمخشري : «أم » منقطعة ومعنى الهمزة للتوبيخ{[49275]} والمعنى : أيقع{[49276]} في قلوبهم ويجري على ألسنتهم أن ينسبوا مثله على الافتراء على الله سبحانه وتعالى الذي هو أقبح الأنواع وأفحشها ، ثم أجاب عنه بأن قال : { فَإِن يَشَإِ الله يَخْتِمْ على قَلْبِكَ } قال مجاهد : يربط على قلبك بالصبر حتى لا يشقَّ عليك أذاهم وقولهم : إنه مفتر كذابٌ ، وقال قتادة : يعني يطبع على قبلك فينسيك{[49277]} القرآن وما آتاك فأخبرهم أنه لو افترى على الله كذباً لفعل به ، وما أخبر في هذه الآية{[49278]} فإنه لا يجترئ على افتراء الكذب إلاّ من كان في هذه الحالة والمقصود من هذا الكلام المبالغة في تقرير الاستبعاد ، ومثاله : أن ينسب رجل بعض الأمناء إلى الخيانة فيقول الأمين : لعل الله أعمى قَلْبي ، وهو لا يريد إثبات الخِذلان ولا عَمَى القلب لنفسه وإنما يريد استبعاد صدق الله تعالى الخيانة عنه{[49279]} .
قوله تعالى : { وَيَمْحُ الله الباطل } هذا مستأنف غير داخل في جزاء الشرط ؛ لأنه تعالى يمحو الباطل مطلقاً ، وسقطت الواو منه لفظاً لالتقاء الساكنين في الدَّرج ، وخطَّا حملاً للخطِّ على اللفظ كما كتبوا : { سَنَدْعُ الزبانية } [ العلق : 18 ] عليه ، ولكن ينبغي أن لا يجوز الوقف على هذه الآية لأنه إن وقف عليه بالأصل هو الواو خالفنا خط المصحف وإن وقف عليه بغيرها موافقاً للرسل خالفنا الأصل{[49280]} . وتقدَّم بحث مثل هذا .
وقد منع مكيٌّ الوقف على نحو : { وَمَن تَقِ السيئات } [ غافر : 9 ] . وقال الكسائي : فيه تقديم وتأخير مجازه والله يمح الباطل فهو في محل رفع ، ولكن حذفت منه الواو في المصحف حملاً على اللفظ كما حذفت من قوله : { وَيَدْعُ الإنسان } [ الإسراء : 11 ] { سَنَدْعُ الزبانية } [ العلق : 18 ] .
أخبر تعالى أن ما يقولونه باطل يمحوه الله «ويُحِقُّ الحَقَّ » أي الإسلام بكلماته ، أي بما أنزل الله تعالى من كتاب ، وقد فعل الله ذلك فمحى باطلهم ، وأعلى كلمة الإسلام «إنَّهُ عَلِيم » بما في صدرك وصدورهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.