الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗاۖ فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخۡتِمۡ عَلَىٰ قَلۡبِكَۗ وَيَمۡحُ ٱللَّهُ ٱلۡبَٰطِلَ وَيُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (24)

قوله تعالى : { أم يقولون افترى على الله كذبا } إلى قوله { إذا يشاء قدير } [ 22-27 ] أي : أيقولون{[60877]} افترى على الله{[60878]} الكذب ، أي : اختلقه من عند نفسه .

{ فإن يشأ الله يختم على قلبك } ، أي : يطبع على قلبك فتنسى هذا القرآن يا محمد ، قاله قتادة والسدي{[60879]} .

وقال الزجاج : معناه : فإن يشأ الله يربط على قلبك بالصبر على أذاهم{[60880]} .

وقيل : المعنى : ( إن يشاء الله – يا محمد – ختم على قلبك بالصدق واليقين والخير كله . وقد فعل بك ذلك ومحا ضره من قلبك .

وقيل : ( المعنى ){[60881]} فإن يشاء الله يمنعك{[60882]} من التمييز{[60883]} .

ثم قال : { ويمح الله الباطل } أي : ويزيل الله الباطل على كل حال – وهو الشرك- ولذلك رفعه ، ولو عطفه على ( ما يشاء ) لم يجز لأنه يصير المعنى ( ولو يشاء ){[60884]} الله يمح{[60885]} الباطل ، وذلك لا يجوز لأنه تعالى يمحوه على كل حال . ويدل على رفعه أن بعده ( ويحق الله{[60886]} الحق ) بالرفع ){[60887]} وهذا احتجاج عليهم لنبوءة محمد صلى الله عليه وسلم وصحة ما جاء به لا{[60888]} المعنى : إن الله يزيل الباطل ولا يثبته .

فلو كان ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم باطلا لمحاه الله عز وجل وأنزل كتابا آخر على غيره .

وهكذا جرت العادة [ في جميع المفترين أن الله سبحانه يمحو أباطلهم ويثبت الحق .

ومعنى { ويحق الحق بكلماته } أي : ويثبت ما أنزل من كتابه على لسان ]{[60889]} نبيه عليه السلام .

وقيل : المعنى ويبين الحق{[60890]} .

وقيل : معناه : يثبت الحق في قلبك بكلماته ، أي : بالقضاء الذي قضاه لك قبل خلقك .

ثم قال تعالى : { إنه عليم بذات الصدور } أي : إنه ذو علم بما في صدور خلقه وما تنطوي عليه ضمائرهم .

وقيل : إن معناه : لو حدثت نفسك يا محمد بأن تفتري{[60891]} علي كذبا{[60892]} لطبعت على قلبك ، وأذهبت الذي أتيتك من وحيي ، لأني أحق الحق وأمحو الباطل ، فأخبر الله عز وجل الزاعمين أن محمد صلى الله عليه وسلم اختلق القرآن من عند نفسه{[60893]} – أنه لو فعل ذلك أو حدث به نفسه – ما أخبر في{[60894]} هذه{[60895]} الآية{[60896]} .

وكان أبو{[60897]} عمرو بن العلاء يختار أن يقف القارئ على : ( فإن يشاء الله يختم على قلبك ) ، لأن ما بعده مستأنف غير معطوف عليه على ما ذكرنا ، وهو اختيار الفراء{[60898]} .


[60877]:(ح): يقولون.
[60878]:(ح): محمدا صلى الله عليه وسلم.
[60879]:أورده القرطبي في جامعه عن قتادة فقط 16/25.
[60880]:انظر معاني الزجاج 4/399، وإعراب النحاس 4/80.
[60881]:ساقط من (ت).
[60882]:في طرة (ح).
[60883]:(ح): التبيين. وانظر إعراب النحاس 4/80، وجامع القرطبي 16/25.
[60884]:(ح): فإن ينشأ.
[60885]:(ح): يمحو.
[60886]:ساقط من (ح).
[60887]:انظر جامع البيان 25/18.
[60888]:كذا في (ت) و(ح).
[60889]:في طرة (ت).
[60890]:قاله النحاس في إعرابه 4/81.
[60891]:(ت): يفتري.
[60892]:(ت): كاذبا.
[60893]:ساقط من (ح) و(ت) نفسه لفعل به.
[60894]:كذا في (ت) و(ح) ولعل الأسلم: بهذه.
[60895]:ساقط من (ت).
[60896]:قاله الطبري في جامع البيان 25/18.
[60897]:(ت) و(ح): ابن والتصويب من كتب التوثيق أسفله.
[60898]:انظر القطع والإئتناف 640 و641 وفيه وقف أبي عمرو واختيار الفراء كذلك. وانظر المكتفى 503، ومنار الهدى 282 ففيهما أنه وقف تام.