تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗاۖ فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخۡتِمۡ عَلَىٰ قَلۡبِكَۗ وَيَمۡحُ ٱللَّهُ ٱلۡبَٰطِلَ وَيُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (24)

الآية 24 وقوله تعالى : { ألم يقولون افترى على الله كذبا } أي بل يقولون : افترى محمد على الله كذبا .

وقوله تعالى : { فإن يشأ الله يختم على قلبك } اختُلف فيه ، قال بعضهم : { فإن يشإ الله يختم على قلبك } بالصبر حتى لا تجد مشقة استهزائهم بك ولا غُصّة بتكذيبهم إياك .

وقال بعضهم : { فإن يشإ الله يختم على قلبك } أي يُنسك ، فلا تبلّغه إليهم ، فلا يستهزئوا بك ، ولا يكذّبوك ، أو كلام نحوه .

وعندنا أنه يُخرّج على وجهين :

أحدهما : ما ذكرنا بدءا : { فإن يشإ الله يختم على قلبك } بالصبر حتى لا تجد مشقة الاستهزاء ولا غصّة التكذيب .

والثاني : { فإن يشإ الله يختم على قلبك } كما ختم على قلوب أولئك الكفرة حتى لا تفهم ، ولا تعقل الحق من الباطل كما فعل بأولئك .

يذكّره إحسانه إليه وفضله بما أكرمه بأنواع الكرامات التي أكرمه بها ليشكُر ربه على ذلك ، ويرحّم على أولئك بما ختم على قلوبهم وما ينزل بهم من أنواع العذاب .

وعلى ذلك بلغ أمره صلى الله عليه وسلم من الرحمة والشفقة عليهم ما ذكر { فلعلك باخعٌ نفسك على آثارهم } الآية [ الكهف : 6 ] وقوله تعالى : { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } [ فاطر : 8 ] كادت نفسه تهلك إشفاقا عليهم ورحمة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ويمح الله الباطل ويُحق الحق بكلماته } هذا يخرّج على وجهين :

أحدهما : أي يُظهر ، ويظفر أهل الحق على أهل الباطل ، وينصُرهم ، حتى يصير أهل الحق ظاهرين قاهرين على أهل الباطل . فذلك محو الباطل وإحقاق الحق .

والثاني : يُحق الحق بالحُجج والبراهين حتى يعرف كل أحد/491-ب/ الحق من الباطل بالحُجج التي أقامها إذا تأمل فيها حق التأمل ، وهو كقوله تعالى : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدين كله ولو كره المشركون } [ التوبة : 33 ] والله أعلم .

وقوله تعالى : { بكلماته } أي براهينه .

وقوله تعالى : { إنه عليم بذات الصدور } قال أهل التأويل : أي عليم بما في الصدور ، ولكن قوله : { بذات الصدر } عبارة عمن له الصدور عن الرأي والتدبير ، وهم البشر ، والله أعلم .