الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗاۖ فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخۡتِمۡ عَلَىٰ قَلۡبِكَۗ وَيَمۡحُ ٱللَّهُ ٱلۡبَٰطِلَ وَيُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (24)

{ أَمْ } منقطعة . ومعنى الهمزة فيه التوبيخ ، كأنه قيل : أيتمالكون أن ينسبوا مثله إلى الافتراء ، ثم إلى الافتراء على الله الذي هو أعظم الفرى وأفحشها { فَإِن يَشَإِ الله يَخْتِمْ على قَلْبِكَ } فإن يشأ الله يجعلك من المختوم على قلوبهم ، حتى تفتري عليه الكذب فإنه لا يجترىء على افتراء الكذب على الله إلا من كان في مثل حالهم ، وهذا الأسلوب مؤدّاه استبعاد الافتراء من مثله ، وأنه في البعد مثل الشرك بالله والدخول في جملة المختوم على قلوبهم . ومثال هذا : أن يخوّن بعض الأمناء فيقول لعل الله خذلني ، لعل الله أعمى قلبي ، وهو لا يريد إثبات الخذلان وعمى القلب . وإنما يريد استبعاد أن يخوّن مثله ، والتنبيه على أنه ركب من تخوينه أمر عظيم ، ثم قال : ومن عادة الله أن يمحو الباطل ويثبت الحق { بكلماته } بوحيه أو بقضائه كقوله تعالى : { بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل فَيَدْمَغُهُ } [ الأنبياء : 18 ] يعني : لو كان مفترياً كما تزعمون لكشف الله افتراءه ومحقه وقذف بالحق على باطله فدمغه . ويجوز أن يكون عدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه يمحو الباطل الذي هم عليه من البهت والتكذيب ، يثبت الحق الذي أنت عليه بالقرآن وبقضائه الذي لا مردّ له من نصرتك عليهم ، إنّ الله عليم بما في صدرك وصدورهم ، فيجري الأمر على حسب ذلك . وعن قتادة { يَخْتِمْ على قَلْبِكَ } : ينسك القرآن ويقطع عنك الوحي ، يعني : لو افترى على الله الكذب لفعل به ذلك ، وقيل { يَخْتِمْ على قَلْبِكَ } : يربط عليه بالصبر ، حتى لا يشق عليك أذاهم .

فإن قلت : إن كان قوله : { وَيَمْحُ الله الباطل } كلاماً مبتدأ غير معطوف على يختم ، فما بال الواو ساقطة في الخط ؟ قلت : كما سقطت في قوله تعالى : { وَيَدْعُ الإنسان بالشر } [ الإسراء : 11 ] وقوله تعالى : { سَنَدْعُ الزبانية } [ العلق : 18 ] على أنها مثبتة على في بعض المصاحف .