فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗاۖ فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخۡتِمۡ عَلَىٰ قَلۡبِكَۗ وَيَمۡحُ ٱللَّهُ ٱلۡبَٰطِلَ وَيُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (24)

{ أَمْ } منقطعة أي بل أ { يَقُولُونَ افْتَرَى } أي اختلق { عَلَى اللَّهِ كَذِبًا } بدعوى النبوة ونسبة القرآن إلى الله تعالى ، والإنكار للتوبيخ ، ثم أجاب سبحانه عن قولهم هذا فقال : { فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ } أي لو افترى على الله الكذب لشاء عدم صدوره منه ، وختم على قلبه بحيث لا يخطر بباله شيئا مما كذب فيه كما تزعمون ، قال قتادة يختم على قلبك فينسيك القرآن فأخبرهم أنه لو افترى عليه لفعل به ما أخبرهم به في هذه الآية .

وقال مجاهد ومقاتل : إن يشأ يربط على قلبك بالصبر على أذيتهم حتى لا يدخل قلبك مشقة من قولهم وقيل : الخطاب له والمراد الكفار ، أي إن يشأ يختم على قلوب الكفار ويعالجهم بالعقوبة ، ذكره القشيري وقيل :المعنى لو حدثتك نفسك أن تفتري على الله كذبا لطبع على قلبك : فإنه لا يجترئ على الكذب إلا من كان مطبوعا على قلبه ، والأول أولى ، والمقصود ، من هذا الكلام المبالغة في تقرير الاستبعاد .

{ وَيَمْحُو اللَّهُ الْبَاطِلَ } استئناف مقرر من نفي الافتراء غير داخل في جزاء الشرط ، قال ابن الأنباري : يختم على قلبك تام وما بعده مستأنف ، وقال الكسائي : فيه تقديم وتأخير ، أي والله يمحو الباطل ، وقال الزجاج : ويمحو الله الباطل احتجاج على من أنكر ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم ، أي لو كان ما أتى به باطلا لمحاه كما جرت به عادته في المفترين ؛ وسقطت الواو من يمحو في بعض المصاحف كما حكاه الكسائي .

{ وَيُحِقُّ الْحَقَّ } أي الإسلام فيبينه { بِكَلِمَاتِهِ } أي بما أنزله من القرآن وقد فعل الله تعالى ذلك فمحا باطلهم . وأعلى كلمة الإسلام { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } أي عالم بما في قلوب العباد .